أخيراً، بدأت شجرة الأفوكادو تنتشر في المناطق الجنوبية، متجاوزة مناخها الساحلي الدافئ نحو برودة الجبل. زراعة أصبحت متداولة في كل بستان ومنزل، يُرجح المتابعون المزيد من انتشارها لما لها من إغراء زراعي وغذائي
كامل جابر
«كلما ازداد إدراك المزارعين لأهميتها الزراعية والغذائية، توسّع انتشارها»، يقول إبراهيم سلامة في معرض حديثه عن انتشار زراعة شجر الأفوكادو في منطقة النبطية، خلال السنوات العشر الأخيرة.
فبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار عام 2000، كان «سهل الميذنة»، شرقي بلدة كفررمان، أرضاً قاحلة. يومها، وقف من عاد إلى أرضه بعد 15 عاماً من الاحتلال المباشر، على أطلال بساتين الحمضيات التي كانت تغطي جزءاً كبيراً من أراضي السهل قبل أن تعمد آليات العدو إلى جرفها كلياً. «نصحني أحد الأصدقاء بزراعة شجر الأفوكادو»، يقول سلامة، الذي كان أول من بدأ هذه الزراعة في السهل. يشير سلامة إلى أنه، شيئاً فشيئاً، وجد نفسه يرعى ثلاثين شجرة دائمة الخضرة. «ثمة من حذرني من أن هذه الأشجار لن تعطي ثمراً في منطقة متبدلة المناخ، ترتفع نحو 450 متراً عن سطح البحر، وتبعد عشرين كيلومتراً عن منطقة الساحل. لكنني غامرت وزرعتها رغم ذلك، وصرت أتأملها وهي تنمو وتعلو. انتظرت خمس سنوات متتالية حتى حملت بعض الشجرات بالثمار الأولى. عندها، أيقنت أن التجربة نجحت»، يخبرنا سلامة. فمعلومات المتخصصين في زراعة الأفوكادو في جنوب لبنان تؤكد أن الارتفاع المناسب لهذه الزراعة يراوح بين 100 متر و300 متر عن سطح البحر حتى تعطي الشجرة إنتاجاً مناسباً. لذلك، ترى بساتين كاملة أو «مطعّمة» بكميات من أشجار الأفوكادو منتشرة في المنطقة بين الزهراني ومدينة صور، وصولاً إلى الناقورة وفي المنطقة المرتفعة شرقاً.
«لكن يبدو أن هذه الشجرة تتأقلم بسرعة مع المناطق المناخية المقبولة في لبنان، أي على ارتفاع 500 متر»، كما يؤكد المزارع المغامر، لافتاً إلى أن شتول هذه الشجرة بدأت تتوافر بكثرة في «مشاتل» المزارعين في منطقة النبطية، على ارتفاع يناهز 500 متر، وأن كميات بيعها تزداد يوماً بعد يوم، بسعر يراوح بين 10 دولارات و15 دولاراً للشتلة الواحدة، «منها ما يشتريه الأهالي لغرسه في حديقة المنزل، كما شجرة الحامض والليمون والتين وغيرها، ومنها ما يباع بكميات كبيرة لبساتين باتت متخصصة بزراعة أشجار الأفوكادو لمنافعها الاقتصادية».
ما يشجع المزارعين على الإقبال على زارعة الأفوكادو هو تدني كلفة رعايتها، فهي لا تحتاج إلى أسمدة كيميائية (الآزوت) ومبيدات للحشرات، إذ تمثّل أوراقها المتساقطة سماداً طبيعياً، ولا تحتاج إلى الري أكثر من مرة في الأسبوع. كذلك، إن الأمراض التي تصيبها قليلة جداً، بشهادة سلامة الذي يؤكد أنه لم يستخدم أياً من المبيدات حتى اليوم، رغم مضي نحو عشر سنوات على زراعته لها، وإشارته إلى أنه «يمكن أن نضع تحتها، لمرة واحدة في العام، كميات قليلة من الحديد والماغنيزيوم».
تستغرق الشجرة مدة 4 أو 5 سنوات حتى تبدأ بإعطاء ثمار تراوح كميتها بين 5 و10 كيلوغرامات في الموسم. اليوم، باتت الشجرة المزروعة منذ عشر سنوات في سهل الميذنة تعطي أكثر من أربعين كيلوغراماً. وقد راوح وزن الثمرة الواحدة على بعض الأشجار بين 300 و500 غرام. هذا التنوع في الحجم رافقه آخر في الشكل أيضاً، حيث تجاوز طول بعض الثمار 20 سنتيمتراً، ما يؤكد أن البذور التي تزرع وتهجّن في «المشاتل» باتت متعددة ومختلفة، لتتعدد معها أنواع الثمار وطعمها في البساتين (الأشكال والأصناف الموجودة في سهل الميذنة تشير إلى مواصفات هذه الأسماء: بنكرتون Pinkerton، فيورتي Fuerte، هاس Hass، زوتانو Zutano، رييد Reed، جوين Gwen). لكن الصنفين الجيدين الأكثر انتشاراً في المناطق الجنوبية يعرفان بين المزارعين باسم «أطنجا» و«هاس»، والأول هو الأغلى سعراً.
مع احتكار تجار «الحسبة» لأسعار ثمرة الأفوكادو، باع المزارعون الكميات التي فاضت بين «التشرينين»، بسعر راوح بين 1750 و2000 ليرة للكيلوغرام الواحد، فيما بلغت أسعار المبيع بين 2500 و4500 ليرة للصنف الأغلى، «الأطنجا».
وقد لحظت منظمة الأغذية العالمية التطور اللافت الذي شهدته في السنوات الأخيرة زراعة الأفوكادو في لبنان، وخصوصاً في المناطق الساحلية الجنوبية، حتى إن إحصاءاتها الواردة في تقرير التنمية الزراعية الصادر عن اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة ووزارة الزراعة خلال عام 2005، تشير إلى حلول لبنان في المرتبة الأولى بين الدول العربية المنتجة للأفوكادو في منطقة الشرق الأوسط، بإنتاج سنوي يوازي 5 آلاف طن، بينما حلّ في المرتبة الثانية كأكبر منتج عربي للأفوكادو بعد المغرب الذي يُنتج نحو 17ألف طن.