فاجأت الانتخابات الطالبية في الجامعة الأميركية في بيروت الأطراف المتنافسة، فقد اكتسحت المعارضة السابقة 5 كليّات من أصل 6، بينما خسر تحالف 14 آذار معركة مهمة وخابت توقعات المستقلين
محمد محسن
حفل اليوم الانتخابي الطويل في الجامعة الأميركية في بيروت، أمس، بالمفاجآت. ربمّا هي المرة الأولى التي يمكن القول فيها إن طرفاً يكتسح الطرف الآخر. أما المفاجأة، فتكمن في هوية الطرف الفائز والآخر الخاسر. قلّة قليلة توقعت سلفاً فوز طلاب المعارضة السابقة على طلاب تحالف 14 آذار، فقد فوجئ الجميع بالنتيجة من أكثر المتفائلين في تحالف المعارضة السابقة، إلى أكثر المتشائمين في تحالف قوى 14 آذار. لم يتوقّع أحد أن ينال «شباب المستقبل» وحلفاؤهم 32 مقعداً فقط! فضلاً عن أنّ الصدمة كانت أقوى بالنسبة إلى الرقم الذي حصده طلاب المعارضة وحلفاؤهم في «منظمة الشباب التقدّمي»، إذ نالوا 69 مقعداً.
أما المستقلون فخيّبت صناديق الاقتراع توقعاتهم وعجزوا عن تأليف قوة ثالثة تستطيع الوقوف في وجه القطاعات الشبابية لأحزاب الموالاة والمعارضة السابقتين. في المحصّلة، حصد طلاب المعارضة وحلفاؤهم في «منظمة الشباب التقدّمي» مقاعد 5 كليات من أصل 6، فيما حافظ «شباب المستقبل» على تفوقهم في كليّة إدارة الأعمال.
عَكَسَ مشهد الفرز إشارات واضحة للنتيجة، فعلا صراخ طلاب المعارضة صوت طلاب الموالاة. بين شاشتين كبيرتين لإعلان النتائج مباشرةً، فصل عناصر أمن الجامعة طلاب الأطراف المتنافسة. يستدعي عميد طلاب الجامعة طلال نظام الدين الطلاب المرشحين للمشاركة في فرز الأصوات. ومع كل اسم لمرشح ناجح، كان يرتفع صراخ مناصريه. هنا، لم تغب الشعارات السياسية والطائفية عن هتافات الطرفين، وكأنها باتت خبز الحملات الانتخابية.
مع انتهاء الفرز، بدت الصدمة على وجوه مؤيدي الموالاة، فيما لم يتّسع حرم الجامعة لفرحة طلاب المعارضة، فخرجوا إلى شارع «بلس» مردّدين شعاراتهم، ضمن موكب كبير وقف بعض الوقت أمام منزل الرئيس فؤاد السنيورة، حيث رفع الطلاب صوراً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قبل أن يسيروا في مواكب سيّارة أقفلت بعض الطرقات وأثارت تذمّر العديد من المارة.
هكذا، أنهت انتخابات «الأميركية» مرحلة الانتخابات الطالبية في الجامعات الخاصة الكبرى. أما النتائج، فتقود إلى بعض الاستنتاجات، منها أنّ القطاع الطالبي لـ«تيار المستقبل» قد يعاني أزمة جامعية هذا العام بعد خسارة مؤلمة في جامعتين هما الأكبر ضمن «حصّته» المعهودة، أي «الأميركية» و«اللبنانية الأميركية».
انكسرت قاعدة الربح النسبي في انتخابات «الأميركية»
وخلافاً لانتخابات الجامعة اليسوعية، انكسرت قاعدة الربح النسبي، ودخلت «الأميركية» في لائحة الجامعات التي يكتسح فيها طرف الآخر. أما «منظّمة الشباب التقدّمي»، فقد أثبتت مرة جديدة أنّ طلابها هم «بيضة القبّان» التي حسمت الفوز لمصلحة المعارضة في «الأميركية». أضف إلى ذلك أنه يبدو أنّ ما جرى في الجامعات يعكس مدى تقبّل الشباب المناصر للحزب التقدمي الاشتراكي، للانعطافة السياسية للنائب وليد جنبلاط، وكانت نتائجه إيجابية، إذ لم يصوّت الاشتراكيون بعيداً عن قرار زعيمهم.
في أرقام نتائج «الأميركية» كما أعلنتها الأطراف المتنافسة، يمكن رصد تراجع طرفين في مقابل تقدّم لطرف ثالث. فالتراجع في عدد مندوبي شباب 14 آذار في الكليّات يشبه الانتكاسة. هؤلاء خسروا 21 مقعداً، فأصبح عددهم 32 مندوباً بعدما كانوا 53 في العام الماضي. اليساريون والشيوعيون وطلاب الأندية الطلابية العربية والنادي العلماني الذين ألفوا ما سُمّي «الجبهة البديلة» خسروا أيضاً وهبطت أسهمهم من 23 مندوباً في العام الماضي، إلى 9 مندوبين فقط في انتخابات هذا العام. في المقابل، تقدّمت قوى المعارضة بعد تحالفها مع «الاشتراكي» وانضم إلى لائحة مندوبيها 36 مندوباً جديداً، إذ بلغ عددهم في نتائج أمس 69 مندوباً بعدما كان 33 مندوباً في العام الماضي.
مثلّت نتائج الانتخابات مفاجأة لطلاب المعارضة أنفسهم. فالجو الذي كان شائعاً لم يكن إيجابياً بالنسبة إليهم، وخصوصاً أنّ صورة التحالفات النهائية لم تتبلور قبل منتصف ليل أول من أمس، من دون أن يملك تحالف المعارضة، على حد تعبير أنصاره، وقتاً لترجمة هذا التحالف ميدانياً بين الطلّاب. وقد كان الانطباع السائد عن جميع الاطراف أنّ طلاب المعارضة «مضعضعون في أكثر من كليّة، وأنّهم سيشطب بعضهم بعضاً في كليّة الهندسة، ما سيسمح لطلاب 14 آذار بالتقدّم فيها، على الرغم من تمكّن المعارضة من إبقائها ضمن قلاعها».
التشرذم الشكلي للمعارضة عكسه ترشّح بلوائح موحّدة، لكن بحملتين مختلفتين. ضمّت الأولى طلاب «حركة أمل» و«منظمة الشباب التقدمي» وكان شعارها: «سنفعلها». أمّا الحملة الثانية للمعارضة، فقد ضمت باقي الأطراف، أي التعبئة التربوية في حزب الله وطلاب التيار الوطني الحر تحت شعار «النظام لا يأتي من الفوضى». أمّا تحالف 14 آذار فقد ربح طلابه في لعبة اللون. ثيابهم الصفراء الموحّدة أظهرتهم كتلاً كبيرة ضمن الطلاب، فيما تابعوا شعارهم الذي اعتمدوه في الأعوام السابقة «مستمرون في العمل». المستقلّون، وتحديداً مجموعة «الجبهة البديلة»، بدوا ضعيفي الحضور على مستوى الماكينات، إذ قلّما تجد ما يشير إليهم، والسبب؟ «لا نملك تمويلاً مادياً كالآخرين، بل نعتمد على مصاريفنا الشخصية»، كما يقول منسّق الطلاب المستقلين علي نور الدين.
على مستوى الكليّات، حافظ «المستقبل» على فوزه التقليدي في كلية إدارة الأعمال، على الرغم من اختراق المعارضة له، للمرة الأولى، بثلاثة مندوبين، فكانت النتيجة 12ـ3 لمصلحته. أمّا في الكليّات الأخرى، فجاءت النتائج كالآتي: فازت المعارضة بـ25 مندوباً في كليّة العلوم والفنون وهي أم الكليّات، مقابل 5 مقاعد بالتزكية لـ«الجبهة البديلة» و3 مقاعد لـ14 آذار. في كليّة الهندسة فازت المعارضة 12ـ10. أمّا في كليّة الزراعة والعلوم الغذائية، فقد حصدت المعارضة 11 مندوباً والموالاة 4، فيما فازت «الجبهة البديلة» بمقعدين. في كليّات الصحة والطب ومدرسة التمريض فازت المعارضة بـ8 مقاعد، مقابل مقعدين للموالاة، فيما ذهب الباقي لطلاب مستقلّين تتنوع ميولهم بين معارضة وموالاة.
وفي قراءة مصادر الطلاب المتنافسين تعترف مصادر المستقبل بخسارتها المؤلمة، لكنها تتمسك بأن فارق الأصوات ضئيل جداً، إضافة إلى اعترافها بالأثر البالغ لغياب الحزب التقدمي الاشتراكي عن تحالفها. أما مصادر طلاب المعارضة، فتقدّر تحالفها مع «الاشتراكي» وتعدّه انتصاراً لها، يضاف إلى انتصارها الكاسح على «حرب الشائعات» التي تعرضت لها.
ويبقى اللافت تقويم مصادر طلاب القوات اللبنانية، إذ «لاحظنا استهتاراً تنظيمياً من طلاب المستقبل، وكان لغياب الاشتراكي أثر بالغ على تحالفنا».
انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات، على أن تليها مرحلة ثانية يجتمع خلالها المندوبون الفائزون لانتخاب الحكومة الطلابية الجديدة، ومن ثمّ نائب الرئيس، وهو أعلى منصب طلابي في الجامعة.


مراقبون يواكبون الانتخابات

شارك في الانتخابات الطالبية في الجامعة الأميركية في بيروت، أمس، 46 مراقباً ثابتاً ومتجولاً، من «الجمعية اللبنانية لمراقبة الانتخابات».
منذ انطلاقة الانتخابات عند العاشرة صباحاً، توزع المراقبون ببذلاتهم الزرقاء، على مراكز الاقتراع. وقد سجّل هؤلاء العديد من المخالفات من جانب الطرفين. وتشير مصادر المراقبين إلى عدد من المخالفات العامة التي ارتكبها الطلاب أو أساءت إلى أجواء المخالفات، من بينها تأثر الطلاب بالأجواء السياسية، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون انتخاباتهم طالبية فقط.
أمّا في ما يخص بعض المخالفات، فقد رُصد ضغط بعض الطلاب على زملائهم أمام مراكز الاقتراع، فيما لوحظ توزيع ماكينة «شباب المستقبل» أغطية صفراء لهواتف «بلاك بيري» المنتشرة بكثرة بين طلاب الجامعة. أما الاتهامات المتبادلة بشأن ضخامة حجم التمويل فليس هناك ما يؤكدها. إيجابياً، سجّل المراقبون لإدارة الجامعة دقّة تنظيمها للانتخابات بصورة جيدة جداً، وخصوصاً لجهة التوقيت وطريقة توزيع صناديق الاقتراع.