عمر نشّابةكرّر بعض السياسيين والإعلاميّين عبر وسائل الإعلام، خلال اليومين الفائتين، أخطاءً بشأن عمل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يدلّ ذلك إما عن جهل هؤلاء بسبب عدم قراءة النصوص الرسمية والمراجع العلمية، أو عن تجاهل مقصود بهدف توجيه الرأي العام بما يتناسب مع سياساتهم.
من بين تلك الأخطاء:
أولاً، اعتبار أن موضوع «شهود الزور» أصبح من ضمن اختصاص عمل المحكمة بموجب قرار رئيس المحكمة الدولية الأخير الذي قضى بتثبيت اختصاصها «للنظر في ادّعاء اللواء جميل السيّد أمامها».
ثانياً، اعتبار أن قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دنيال فرانسين حسم قضية تسليم السيد المستندات التي طلبها.
ثالثاً، اعتبار أن الرئيس سعد الحريري يمكنه أن يدقّق بمضمون القرار الاتهامي يوم صدوره ويتأكد ما إذا كان يعتمد على أدلة موثوقة.
إن تصحيح تلك الأخطاء يستدعي الشرح الآتي:
ــ إن موضوع «شهود الزور» ليس مطروحاً أمام المحكمة الدولية، ولم يدّع عليهم اللواء السيّد أو أي شخص آخر، أمام تلك المحكمة. بل إن حقيقة الأمر هي أن السيّد رفع في 17 آذار 2010، بواسطة وكيله المحامي أكرم عازوري، الى رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي، طلباً التمس فيه «الحصول على المواد الثبوتية الخاصة بالافتراء والاحتجاز التعسّفي». وبالتحديد طلب السيّد من كاسيزي الحصول على المستندات الآتية:
ــ صورة طبق الأصل مصدّقة من محاضر الشكاوى التي قدّمها السيّد وأحالتها السلطات اللبنانية الى المحكمة في 1 آذار 2009؛
ــ صورة طبق الأصل مصدّقة عن محاضر إفادات الشهود التي تدلّ على تورطه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في اغتيال رفيق الحريري؛
ــ التقارير المحالة الى النائب العام اللبناني بشأن تقويم الإفادات المذكورة أعلاه، وبالتحديد تقرير السيد براميرتز المؤرخ في 8 كانون الأول 2006؛
ــ رأي المدعي العام بلمار في احتجاز السيّد وسائر الموقوفين، والذي بلّغه الى النائب العام اللبناني؛ وأيّ أدلّة أخرى في حوزة الرئيس قد تكون «ضرورية لملاحقة مرتكبي المخالفات».
أحال كاسيزي موضوع الطلب الى قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين الذي أصدر حكمه في 17 أيلول .2010. وجاء في نصّ الحكم أن المحكمة مختصّة للفصل في أساس طلب السيّد، وأن هذا الأخير يتمتع بصفة الادّعاء أمامها بغية الحصول على مواد الملف الجزائي المتعلّق بقضية الحريري الخاص به. وقرّر القاضي، قبل الفصل في أساس الطلب، أن يحصل على أجابات من السيّد ومن بلمار عن الأسئلة الستة الآتية:
1ــ هل تدخل كل المواد التي يطلب السيد الحصول عليها في الملف الجزائي الخاص به، وهل هي في حوزة المدعي العام؟
2ــ هل تطبق القيود والحدود، ولا سيّما أن تسليم المواد قد يؤثر سلباً في تحقيق جار أو لاحق، أو يتنافى ومصالح أساسية كسلامة الأشخاص المعنيين بهذه المواد، أو يمسّ بالأمن الوطني أو الدولي؟ علماً بأن هذه القيود يمكن أن ترتبط بالصعوبات الملازمة لإجراء التحقيقات في مجال الإرهاب. وقد تحدّ اعتبارات أخرى من إمكان الطلب مباشرة من المحكمة المواد التي بحوزتها فتلزم آليات المساعدة المتبادلة والتعاون الدولي التقليدية بين الدول على سبيل المثال، الأطراف الثالثة باللجوء الى السلطات الوطنية المختصّة للتقدم بمثل هذه الطلبات.
3ــ هل تُطبق قيود وحدود أخرى؟
4ــ في حال وجود قيود وحدود أخرى، هل تُطبق على كلّ المواد التي يطلب المستدعي الحصول عليها أو على البعض منها فقط، وفي هذه الحال، على أيّ منها؟
5ــ إذا مُنح السيّد الحق في الحصول على الملف، فكيف يتم ذلك؟ بمعنى آخر، هل يجب أن تسلّم المواد أو نسخ عنها الى المستدعي، أو لا يحقّ له سوى الاطلاع عليها؟ وهل يجب أن يُحصر الحق في الاطّلاع عليها على محاميه فقط؟
6ــ هل تُطبق آليات المساعدة المتبادلة الدولية في الشؤون القضائية؟ وفي هذه الحال، ما الذي يترتّب عليها من نتائج بالنسبة الى طلب السيّد؟
طعن بلمار في حكم فرانسين يوم 29 أيلول أمام دائرة الاستئناف ورُدّ طعنه بقرار من كاسيزي صدر يوم 10 تشرين الثاني 2010. وبالتالي ثُبّت الحكم الصادر عن فرانسين. لكن، كما يتبيّن مما ذكر آنفاً، فرانسين لم يفصل بعد في أساس طلب السيّد بانتظار حصوله على إجابات عن الأسئلة الستة.
أما بخصوص اعتبار أن الرئيس سعد الحريري يمكنه أن يدقّق بمضمون القرار الاتهامي يوم صدوره ويتأكد ما إذا كان يعتمد على أدلة موثوقة، فلا بد من توضيح الآتي:
أكّد المحامي العام لدى مكتب المدعي العام ايكهارت فيتهوبف يوم 27 تشرين الأول الفائت في لاهاي أن القرارات الاتهامية التي ستصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستتبع نفس الشكل الذي تصددر فيه القرارات الاتهامية عن المحاكم الدولية الخاصة الأخرى، مثل محكمة يوغوسلافيا السابقة ومحكمتي رواندا وسيراليون. وبالتالي لن تتضمّن نصوص القرارات الاتهامية عرضاً للأدلة التي يستند إليها المدعي العام في اتهاماته، بل إن تلك الأدلة تعرض لاحقاً على المحكمة (راجع «الأخبار» عدد 20 آب 2010). وقد يدوم ذلك العرض سنين يبقى خلالها السيف الدولي مصلتاً على رقاب المتهمين.