تنتشر قصص كثيرة عن حالات تسمّم من وجبات المطاعم. ورغم أن مصلحة حماية المستهلك تنظّم محاضر ضبط بكل مخالف يقع في شباك مراقبيها، إلا أن معظم تلك القصص تنتهي في لحظتها بالنسبة إلى الزبون، بدل أن تتطور إلى محاسبة يفتقد ثقافتها
محمد محسن
طلبت منال وجبة دجاج وسندويش بطاطا. وهي تأكل السندويش، وجدت شيئاً قاسياً جداً، لا يشبه البطاطا. فتحت السندويش لتجد سنّاً متوسطة الحجم! بغضب شديد، طلبت من أختها مساعدتها للاتصال بالجهات المعنية، لكن الأخيرة رفضت، مقترحة التريث حتى تسأل جارها، صاحب المطعم، عن سبب الخلل في الوجبة. بعد المراجعة، تبيّن أن السبب هو وضع «رأس نيفا» قرب صحن البطاطا و«الخطأ مش مقصود وعنجد سامحونا» كما قال صاحب المطعم، طالباً السماح، فكان له ما أراد. القصة تفتح باب الحديث عن أمر بالغ الأهمية: سلامة الغذاء ومعايير النظافة داخل المطاعم.
خلال جولاتهم، يُصدم مراقبو مصلحة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد في بعض المطاعم بمشاهد يصحّ وصفها بالمرعبة. مثلاً، وجدوا في أحد المطابخ حبلاً عليه ثياب، ممدود فوق حلة الحمص بطحينة. وفي مطعم آخر، كانت الحشرات تسرح وتمرح داخل المطبخ على مقربة من الأطباق، والمواد الأوليّة للطبخ. القصص تتشابه وكلّها مفزعة. كثيرون لا يدركون وجود سمّ في وجباتهم السريعة. طبعاً، لا يعني ذلك أن جميع المطاعم سيئة، لكن الكثير منها لا تراعي الشروط الصحيّة.
عملياً، تتحكم 3 «سلطات» بعملية توزيع الغذاء من المطاعم: إدارة المطعم، الزبون، مراقبو الصحة والنوعية التابعون لوزارتي الاقتصاد والصحة العامة، بالإضافة إلى المراقبين الصحيين للبلديات. وصحيح أنه قلّما تجد مطعماً يسمح للزبون بدخول مطبخه. لكن، في المقابل، يشير صاحب أحد المطاعم إلى أنه خلال عمله في هذه المصلحة لأكثر من 15 عاماً، لم يصادف من الزبون إلا «عدداً نادراً من طلبات الدخول إلى المطبخ». وعلى الرغم من أنّه لبّاها، تشير قصّته إلى غياب الوعي عند المستهلك «الذي لا ينتبه كثيراً لما يأكل، متجاهلاً حقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على ضمير التجّار» كما يؤكد صاحب المطعم.
قاطع رمزي مروّة أحد المطاعم المجاورة لعمله، بعدما «أزعجني إهماله للشروط الصحية بالنسبة إلى موظفيه». كيف ذلك؟ يشير إلى أنّه رأى أحد العمّال «يعطس فوق وعاء السلطة ثم يتابع عمله عادياً». لم تستفزّ رمزي «عطسة» العامل بقدر ما استفزّته إجابة صاحب المطعم حين سأله عمّا إذا كان يجري فحوصاً طبيّة وتطعيماً لعمّاله، لأن الجواب جاء غريباً، إذ يروي رمزي كيف «ضحك صاحب المطعم واستهزأ بسؤالي قائلاً: شو مفكّر حالك بفرنسا يا جار؟ ثم مازحني بسماجة منقطعة النظير، قائلاً إن العطسة بتعمل مناعة». ثمّة عامل إضافي يؤدي دوراً في ازدياد «الفلتان» الصحي داخل المطاعم. فالتعامل بذهنية عشائرية مبنيّة على قاعدة «قطع الرزق حرام» يؤدي إلى تهاون التجّار في صحّة زبائنهم وسكوت هؤلاء عن التهاون المقترف بحقهم، علماً بأن الأعراف الاجتماعية والقوانين المدنية جميعها تحظر التهاون بصحّة الناس.
التثقيف الغذائي والصحّي نقطة بالغة الأهمية، ينطلق منها المدير العام لوزارة الاقتصاد فؤاد فليفل، قبل حديثه عن جهد مصلحة حماية المستهلك. أحد أمثلة غياب ثقافة المحاسبة عند المواطن، هو عدم احتفاظه بالفواتير، إذ «يشتكون لنا، فنطلب الفواتير لمحاسبة المطعم المقصّر ولا نجدها، ما يصعّب حماية المستهلك قانونياً» كما يروي فليفل.
منذ كانون الثاني الماضي، أعدّت مصلحة حماية المستهلك 56 محضر ضبط لمطاعم متنوعة، كبيرة الحجم وصغيرة، للأثرياء وللفقراء. أما المخالفات فمتعددة: جرثومة السالمونيلا في السلطات، مواد منتهية الصلاحية، صلصات فاسدة نتيجة قربها من الحرارة، لحوم أعيد تجليدها مرة ثانية، وهو من أكبر المخاطر المتعلّقة باللحوم.
يشير فليفل إلى أن حدود عمل مصلحة حماية المستهلك تقف عند «إعلان الأسعار وصلاحية المواد الغذائية». لكن عمل المصلحة يتطوّر يومياً، وخصوصاً بعد ازدياد ملاك المراقبين، ليصل عددهم إلى 250 مراقباً متنوعي الاختصاصات، يرفعون كتب ومحاضر ضبط إلى الجهات المعنية في وزارة الصحة، التي بدورها تحوّل الملف إلى النيابة العامة للحكم بشأنه. من خلال المعاينة والتقارير الواردة، يؤكد فليفل وجود مطاعم «تحترم معاييرها وتبهرك بنظافة مطابخها، ومطاعم جيدة نُبِّهت لتطبيق الإرشادات الصحيةّ، في مقابل أخرى ضُبط فساد أطعمتها خلال جولات دورية على المطاعم ينفذها مراقبونا كل 3 أشهر». أمّا المطاعم المتكاثرة في الأحياء الشعبية، فيشير فليفل إلى أن «وجودها في مناطق فقيرة لا يبرر الإهمال. فليطبقوا إجراءات الحد الأدنى الصحية، كفصل الطعام في البرادات، والحفاظ على نظافة المطبخ».