ما هي الأسباب المانعة لحماية الأحداث المعرّضين للخطر في لبنان؟ سؤال يتكرر على لسان أكثر من متابع، ومع وجود مؤسسات خاصة بحماية الأحداث بموجب القوانين، ثمة سؤال آخر ملحّ: من يباعد بين الضحية ومصدر الحماية؟
آمال خليل
ورد الى جمعية اتحاد حماية الأحداث في لبنان ـــــ فرع الجنوب، إخبار من مواطنين عن تعرض فتى في الثانية عشرة من عمره للعنف الجسدي داخل منزل أسرته في أحد مخيمات صور. فوراً اتخذ الاتحاد قراراً بإنقاذ الحدث مما يتعرض له من جانب والده، فتوجّهت إحدى مندوباته إلى منزل الأسرة، وبعد جلسات مع المعنِّف والضحية، قررت تحويل الابن الى مؤسسة رعائية خاصة تؤمّن له مجاناً حاجياته الأساسية وتحميه من العنف.
يحقّ للمندوبة أن تطلب اتخاذ الإجراءات الحمائية بحق الضحية والعقابية بحق الجاني، استناداً الى السلطة التي يتمتع بها الاتحاد، حتى لو لم تُرفع شكوى قضائية. الاتحاد جمعية ذات منفعة عامة تأسست عام 1936 بهدف حماية وإصلاح وتأهيل الأحداث المنحرفين المحالين على محاكم الأحداث والمعرّضين للخطر، والقيام بالتحقيق والمراقبة الاجتماعيّين وجميع الأعمال الاجتماعية التي تكلّفها بها محاكم الأحداث في لبنان. تستمد الجمعية قانونية عملها مما تنص عليه قوانين العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية وحماية الأحداث، فضلاً عن أنها تتلقى تمويلاً ورعاية من وزارتي الشؤون الاجتماعية والعدل، والهيئة العليا للإغاثة، ويتمركز مندوبوها تمركزاً دائماً في قصور العدل في المحافظات الست، إلى جانب معهدي الإصلاح اللذين تشرف عليهما.
إذا كان الفتى قد حظي بالحماية من عنف والده، فإن ضحايا آخرين لم يحظوا بتلك الفرصة لأسباب مختلفة، أبرزها أن مندوبي الاتحاد لم يعلموا بما قد تعرّضوا له. إذ تشير المادة 26 من قانون حماية الأحداث إلى أنه «يحق للقاضي التدخل ليتخذ لصالح الحدث المعرّض للخطر، تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء، بناءً على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار».
أهل الجرم والعارفون به يخفونه ولا يقدّمون شكوى ضد جرائم سفاح القربى والتحرش الجنسي
اللافت أن الكثير من الجرائم التي استهدفت أحداثاً في الآونة الأخيرة في الجنوب، لم يتحرك باتجاهها الاتحاد مباشرةً لأنها لم تصله بأيّ من وسائل الإعلام السبع المذكورة. فيما يبرر البعض للاتحاد عدم تدخله لأن «أهل الجرم والعارفين به، يخفونه ولا يقدّمون بشأنه شكوى قضائية مثل جرائم سفاح القربى والتحرش الجنسي التي تحصل في القرى»، علماً بأن عليه «التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة، وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق اجتماعي، وأن يستمع الى الحدث ووالديه، أو إلى أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه قبل اتخاذ أيّ تدبير بحقه، ما لم يكن هناك عجلة في الأمر. ويمكن الاستعانة بالضابطة العدليّة لتقصّي المعلومات في الموضوع».
إلا أنّ التساؤلات عن عدم التدخل، لا يمكن إنكارها إذا وصلت تلك الجرائم إلى المخافر وتناقلتها وسائل الإعلام. في هذا السياق، اندرجت جريمة اغتصاب فتاة في العاشرة من عمرها في منطقة صور قبل خمسة أشهر، لم يبلَّغ الاتحاد أمرها من القوى الأمنية، التي حضرت فوراً الى مكان الجريمة وباشرت تحقيقاتها ورافقت الضحية الى المستشفى للعلاج. علما بأن القانون ينص على وجوب قيام المخفر بإبلاغ مندوبي الاتحاد خلال ست ساعات من وقوع الحادثة، ليحضروا التحقيقات التي تُجرَى مع الحدث المنحرف والمعرّض للخطر عل السواء، قبل الإشراف على مراحل تحويله إلى المحاكمة أو التأهيل والحماية.
المشهد ذاته تكرر في المنطقة ذاتها مع فتى في التاسعة من عمره تعرض للاغتصاب، المتهم لا يزال موقوفاً في سجن تبنين منذ ثلاثة أشهر بناءً على شكوى تقدم بها ذوو الطفل، لكنّ مندوبي الاتحاد لم يبلَّغوا الأمر. ما يعني أن القوى الأمنية استجوبت الطفل من دون حضورهم، وبطريقة مخالفة للقانون.
لا يختلف الأمر في منطقة النبطية، حيث قام أ. ض (40 عاماً) بالتحرش الجنسي بصبيَّين كانا يترددان الى استراحة النراجيل التي يديرها في بلدتهما. معالجة القضية تولّاها رئيس البلدية ق. غ. الذي أبلغ القوى الأمنية فقبضت على الثلاثة بضربة واحدة، قبل أن تخلي سبيل الصبيَين بعد أيام وتبقي على المشتبه فيه، الذي لا يزال موقوفاً. لم يكتف الرئيس بما حدث، بل أرسل بطلب الضحيتين وأوسعهما ضرباً أمام الناس بسبب «ذنبهما في ما حصل لهما، ولقّنهما درساً تأديبياً لن ينسياه».

من المسؤول عن التقصير بحق القاصرين؟

تؤكّد مندوبة اتحاد حماية الأحداث في الجنوب حياة حمود أنّ «الاتحاد يتحرك فور علمه بأيّ حادث يتعرض له الحدث أو يرتكبه». أما سبب التأخير الذي يلحق بمتابعة بعض القضايا، فهو ناجم في رأيها عن «اتساع المساحة الجغرافية للجنوب مقارنةً بفريق العمل المؤلف من ثلاث مساعدات اجتماعيات ومندوب رابع يتولى متابعة حالات الطوارئ التي قد تحصل في أوقات متأخرة». أما القضايا التي لم يتدخل فيها الاتحاد، فهي التي لم يتلقَّ إخباراً بها. وهنا، يلاحَظ الدور المحوري الذي تؤدّيه القوى الأمنية في تسهيل أو تعطيل مهمة الاتحاد. إذ يفضّل رئيس المخفر أو مساعدوه عدم إخبار مندوبي الاتحاد عند وقوع حادثة ما، على أن يعملوا على حل القضية حبيّاً، وخصوصاً إذا كانت على صعيد القرى، إضافةً الى جهل أو تجاهل البعض لما يوجبه القانون من ضرورة حضورهم.
أما عن آلية عمل الاتحاد، فتوضح حمود أنّ على المساعدة الاجتماعية أن «تتابع الحالات الاجتماعية للمعرضين للخطر، وإن لم تتوافر شكوى قضائية بما تعرضوا له، فضلاً عن متابعة من خضع للتحقيقات القضائية بسبب التعدي عليه أو قيامه بجرم، وذلك بناءً على طلب القاضي أو أحد ذويه». ومن الناحية الوقائية، تستند المساعدة إلى «أخبار عن وقوع الحادثة فتحيله على قاضي الأحداث، الذي يكلفها بالخطوات الواجب اتخاذها تجاه الحدث، وذلك بعد التأكد من صحة المعلومات». أما بالنسبة الى القضايا المستعجلة، فإن الاتحاد يلجأ حينها الى المدعي العام الذي يصدر قرارات سريعة تضمن التدخل الفوري والحماية القضائية.


الخطر من وجهة نظر القانون

أهالي بعض الأحداث يتمنّعون عن تقديم شكاوي ضد من يعتدون على أبنائهم، لأسباب اجتماعية أحياناً، ولجهلهم ما تنص عليه القوانين من جهة أخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ المادة 25 من قانون الأحداث تنص على أن الحدث يعدّ معرّضاً للخطر إذا «وُجد في بيئة تعرّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته، أو تعرّضه لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي، أو وُجد متسولاً أو مشرّداً». أما المادة 27، فإنها تنص على أن القاضي بعد الاستماع الى الوالدين أو إلى أحدهما، يحق له «أن يُبقي الحدث قدر المستطاع في بيئته الطبيعية، على أن يعيّن شخصاً أو مؤسسة اجتماعية للمراقبة وإسداء النصح والمشورة للأهل والأولياء، ومساعدتهم على تربيته، وعلى أن يقدم هذا الشخص أو المؤسسة الى القاضي تقريراً دورياً عن تطور حالته. وللقاضي، إذا قرر إبقاء الحدث في بيئته، أن يفرض عليه وعلى المسؤولين عنه موجبات محددة، كأن يدخل مدرسة أو مؤسسة اجتماعية أو صحية متخصصة، وأن يقوم بعمل مهني ما».