جوانا عازارهل يُسمح بتنظيم أعراس خاصّة في ساحة بيت الدين أو في باحة قلعة بعلبك الأثريّة أو على صخرة الروشة مثلاً؟ طبعاً لا، يجيب عضو بلديّة جبيل طوني صفير. لا يفهم الرجل لماذا تشذ جبيل عن القاعدة فيتحول رصيف مينائها العام الأثري مكاناً لحفلات الزفاف الخاصة، بترخيص من وزارة الأشغال العامة.
يتحدث صفير، المتابع للقضية، عن ظاهرة بدأت منذ نحو 5 سنوات عندما أصبح لجبيل مكانتها على خريطة السياحة اللبنانية والعالمية. وكان آخر الحفلات عرس أقيم قبل نحو أسبوعين وراء الطاحونة أو برج الصليب القديم استحدث أصحابه مسرحاً على الصخور فوق المياه. وفي التفاصيل التي يرويها صفير، أنّ هؤلاء حصلوا على إذن خاصّ من وزارة الأشغال العامّة والنقل لبناء المسرح في المكان، فالوزارة المسؤولة عن الأملاك العامّة البحريّة والمرافئ، هي الوحيدة المخوّلة إعطاء رخص كهذه من دون دفع أيّ رسوم بالمقابل. أما البلديّة فلا تتمتع بأيّ سلطة في هذا المجال، إذ لا تستطيع منع نصب المسرح أو التدخّل لوقف العرس. اللافت، بحسب صفير، «أنّ عدد الأعراس قليل لكونها تقتصر على أبناء كبار المسؤولين والشخصيّات المعروفة، وبالتالي فهي لم تتجاوز هذا الصيف الثلاثة أعراس، إضافة إلى حفلة لشركة خاصّة أقيمت في ساحة الميناء».
لكن ما هو الضرر الذي تحدثه مثل هذه الأعراس؟ يشرح صفير الذي سبق أن شغل منصب أمين سرّ «جمعيّة بيبلوس إيكولوجيا» أنّ جبيل مدينة مصنّفة على لائحة الأونيسكو للتراث العالميّ، وبالتالي من شأن هذه الظاهرة، كما يسميها، «الإساءة إلى مكانة المدينة التراثيّة المعروفة عالميّاً»، أضف أنّ الاستفادة من هذه الأمكنة الأثريّة هي «استخدام غير منصف للأملاك العامّة من جانب أشخاص دون غيرهم، وتترافق مع تلوّث وزحمة سير كبيرة في المنطقة قبل الأعراس وخلالها وبعدها». من هنا، يطالب صفير بإصدار قرار يمنع على الجميع استخدام هذه الأملاك لما يخدم مكانة جبيل التراثيّة.
ويرى صفير أنّ «النشاطات التي تقيمها البلديّة في ساحة الميناء هي أنشطة عامّة وليست لمناسبات خاصة على الصخور الواجب حمايتها لكونها تمثّل عنصراً طبيعيّاً تكوّن عبر مئات السنين، فأصبح قيمة بيئيّة وجزءاً من تراث جبيل. كذلك فإنّ المنطقة تتضرّر بسبب رمي النفايات فيها وبسبب التلوّث الناتج من المفرقعات الناريّة التي تطلق خلال الأعراس».
والأنكى، بحسب صفير، أنّ البلديّة لا توفّر أيّ واردات لها من هذه الأعراس، وبالتالي لا تستفيد من أيّ أموال لتحسين وضع المدينة أو استخدامها في مشاريع مفيدة، بل على عكس ذلك، هي تتكلّف بتوفير عناصر من شرطة السير لتنظيم السير ومنع الفوضى التي تحصل بسبب كثرة السيّارات التي تتوافد في الوقت نفسه إلى ميناء جبيل، إضافة إلى تولّيها «تنظيف المكان» بعد انتهاء الأعراس.
ثمة في جبيل من لديه وجهة نظر إيجابية بشأن هذه الأعراس التي غالباً ما تستقطب ضيوفاً من طبقات مخملية وأجانب. هكذا، تكون حفلات الزفاف مناسبة لهؤلاء للتعرف إلى جبيل الأثرية ومعاودة زيارتها في وقت لاحق، ما يسهم في تحريك العجلة الاقتصادية في المدينة.


كتاب إلى العريضي

بعدما تسلمت بلدية جبيل مهماتها، أرسلت كتاباً إلى وزارة الأشغال العامة والنقل تطالب فيه بحماية جبيل ومينائها وعدم إعطاء المزيد من التراخيص لإقامة الأعراس والحفلات الخاصّة على مرفأ جبيل والأملاك العامة المحيطة به.
وفي حزيران الماضي، زار وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي المدينة وجال في مينائها واعداً بحل هذه القضية. لكن الأعراس بقيت ولم يتغيّر شيء على هذا الصعيد، لذا اتفق أعضاء البلدية في الجلسة الأخيرة على إرسال كتاب إلى الوزير العريضي يذكّر بالكتاب الأول.