منذ سنوات، يعاني وادي قنوبين من إهمال «مخيف»، لدرجة أن منظمة «اليونسكو» هددت برفع اسمه عن لائحة التراث العالمي. يبدو أن هذا التهديد قد حثّ القيّمين عليه على تحسين الوضع بأسلوب لا يسبّب مشاكل جديدة
جوان فرشخ بجالي
شارف الموسم السياحي في وادي قنوبين على نهايته. بدأ عدد السياح الأجانب واللبنانيّين يتضاءل، بعد أن وصل إلى أكثر من 3 آلاف زائر في عطلة نهاية الأسبوع.
هذا العام كان الموسم خيّراً لأهالي المنطقة. لكن ثمّة مفارقة تتحكم في نظرة الأهالي إلى واديهم. فهم يبدون سرورهم للنفع الذي يجنونه بسبب استقطاب الزوّار بعد إدراج الوادي ضمن لائحة التراث العالمي، لكنّهم يتذمّرون كلّما ارتفعت الأصوات المطالبة بالحفاظ عليه وفقاً لمعايير قوانين التصنيف.
على الرغم من المشاكل، يبدو أن الوضع في وادي قنوبين يتّجه نحو التحسّن... البطيء. أولى بشائر هذا التحسّن هي وصول مخفر الدرك إلى قنوبين، بعد سنوات من المطالبة بحضوره. فمنذ أواخر شهر تموز، بتّ تلاحظ وجود عناصر المركز على مدخل الوادي، لتنفيذ القوانين التي تقرّها جمعية الحفاظ على وادي قاديشا، التي عادت إلى العمل الميداني بعدانقطاع دام لسنوات.
ربيع كيروز، المدير التنفيذي لجمعيّة الحفاظ على قاديشا، يجول في الوادي خمسة أيام أسبوعياً، يجهد لتقليص الأضرار، محاولاً قدر الإمكان الإسراع في تطبيق قوانين المحافظة على الوادي. يشير إلى أن «وجود مخفر للدرك سهّل العمل كثيراً، وأعطاه شكلاً مختلفاً، لأن الدولة حالياً تطبّق القرارات». مثلاً، أزالت بلدية بشرّي جميع إعلانات المطاعم المثبّتة فوق الأشجار وأعمدة الكهرباء، فبات المنظر أجمل. كذلك، يمنع الدرك دخول دراجات الـATV الرباعيّة، ويشرف على تنظيم عمل سيارات «التاكسي» التي حدّدت جمعية «الحفاظ على قاديشا» عددها، بعد اختيار أفضلها، كما حدّدت الأجر بـ2000 ليرة لبنانية ذهاباً.
ويقول كيروز «إن الهدف كان منع دخول السيارات إلى الوادي لأنها أكبر عامل تلوّث فيه. كانت الفكرة إيجاد وسائل نقل في محاولة لإعادة إحياء السياحة البيئية والدينية. ولكن قرار منع دخول السيارات لم ينفّذ». ما يزيد الطين بلّة، زحمة السير التي يعاني منها قنوبين على طرقه الضيّقة وغير المعبّدة، وخصوصاً في نهاية الأسبوع.
مشكلة إضافية تكمن في السيارات المجهزة بعدة التخييم. وللتذكير فقط، فإنها من أكبر الممنوعات بحسب قانون التصنيف. يؤكّد أفراد سرية الدرك أنهم لا يستطيعون منع أصحاب التراخيص من دخول الوادي. فبلدية حدشيت مثلاً، تعطي تراخيص التخييم للزائرين، وتسمح لهم بإضرام النار في حال تعهدهم بإخمادها!
هكذا، يصبح مصير وادي قنوبين تحت رحمة بعض هواة التخييم في موسم الحرائق. يؤكد كيروز أن «الحرائق كانت المشكلة الأكبر هذا الصيف، وخصوصاً أن إطفاءها في الوادي صعب جداً بسبب قرب المنحدرات التي تمنع دخول الهليكوبتر المخصصة لإطفاء الحرائق».
ويتحدّث عن إرسال منظمة «اليونسكو» خبير حرائق في محاولة لتحديد سبل الحدّ من انتشارها، وخاصة أن بعضاً منها يبدأ في القرى المطلّة على الوادي. وبحسب كيروز، فقد قرّر الخبير أن الابتعاد عن إشعال النار داخل الوادي هو أفضل الطرق للحد من اندلاعها، ليبقى مصدر الخطر واحداً. لكن اللافت هو الهوّة الكبيرة بين قرارات الخبراء والتنفيذ على الأرض.
المطاعم التي لا يؤمن أصحابها بالسياحة البيئية، هي مشكلة جديدة تضاف إلى التخييم. فأحد المطاعم حوّل مجرى النهر، وحبس مياهه في أحواض لتربية سمك الترويت الذي لم يعش يوماً في قنوبين، متحدياً بذلك مبدأ الحفاظ على الوادي، الذي يمنع إدخال حيوانات وأشجار غريبة عنه. لم يكتف بذلك، بل صبّ الباطون شمالاً وجنوباً لتوسيع المطعم. تكمن المشكلة أن صاحب المطعم هو مالك للعقار الذي يبني عليه، لذا، لا يجبره أحد على تطبيق القوانين، حتى وإن صدر عن وزارة الداخلية، حيث لم ينفّذ شيء من 3 قرارات أصدرتها لهدم كل المخالفات في الوادي. فقرارات الوزارة تختفي عندما تصل إلى البلدية. وقد حاولت الضابطة السياحية هذا العام الحدّ من نفوذ المطاعم، عبر إجبارها على تقديم طلبات للإذن بإنشاء مطاعم بحسب المواصفات المحدّدة أو إقفالها، لكن حتى اليوم لا ترجمة عملية لهذه المحاولات.
في مطعم آخر تصدح الموسيقى على تنوّعها. أمّا من يعترض من المارة الذين يرغبون في إتمام الصلوات في الطريق للوصول إلى دير سيدة قنوبين القريب جداً من المطعم، فيتّهم بأنه «يريد خرْب بيوت العالم وتهجير سكان الوادي»! اللافت أن هذا المطعم غير مرخّص، وصاحبه لا يملك الأرض التي بناه عليها أصلاً.
عناد أصحاب المطاعم في مزاولة مهنتهم، بشروطهم، يعطي للوادي طابعاً تجارياً رخيصاً. التعديات لا تقف هنا. فقد رخّصت بلدية زغرتا ـــــ إهدن السابقة لعشرات المطاعم والنوادي الليلية بالبناء بالحديد على أطراف الوادي، على قاعدة أنه حديد مؤقت ويُزال، وهو ما يدعو كيروز إلى التعبير عن تشاؤمه قائلاً «لا يدوم إلا المؤقت».
فضلاً عن المخالفات البشرية، تفتك الخنازير البرية بالوادي بنحو مروّع، تأكل الأشجار والمزروعات، حتى إنها «أصبحت تدمر الحفافي التي يزيد عمرها على 200 سنة، والتي لم يقو عليها الطقس!» كما يقول كيروز، واعداً بالبحث عن سبل للحدّ من تأثير هذه الحيوانات، مع وزارة الزراعة.