قاسم س. قاسمانتهى أمس مؤتمر «السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية»، الذي عقده مؤتمر «مركز الزيتونة للدراسات» في فندق كراون بلازا الحمرا. المؤتمرون يعرفون الاتحاد الأوروبي جيداً، ويعرفون كيف تُطبخ السياسات الأوروبية تجاه المنطقة العربية عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً. فمعظمهم ممن عاشوا في أوروبا ويعملون فيها وأسهموا بطريقة أو بأخرى في تكوين، أو بالأحرى، في تأليب الرأي العام الأوروبي على سياسات حكوماته غير العادلة. هكذا، وعلى مدى يومين شرح المؤتمرون سياسات الاتحاد الأوروبي، والطريقة التي يُتخذ فيها القرار فيه. حللوا السياسات الاقتصادية والاجتماعية والأسباب القانونية والأخلاقية التي تحرّك أصحاب القرار فيها. المؤتمر انتهى أمس، لكن كل محور من المحاور التي تناولها كان يصلح لأن يكون مادة لمؤتمر خاص. إذ بعكس المؤتمرات التي كانت تعقد على مدى أيام عدة بمضامين هزيلة، كان مؤتمر «الزيتونة» يستحق أن يبقى يوماً أو يومين إضافيين. حيث لم تتعدّ فيه مداخلة المتحدث 20 دقيقة، اختصر فيها تاريخ تكوين الرأي العام في أوروبا منذ بدء الصراع مع الكيان الصهيوني. وأمس، في اليوم الثاني والأخير، اطلع الحضور على المواقف الأوروبية من حركات المقاومة الفلسطينية، إضافةً إلى الموقف الإسرائيلي من دور الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية. أما في الجلسة المسائية، فقد كان للباحثة د. نهلا الشهال، فضل شرح تفاصيل عمل المجتمع المدني في أوروبا، وهو عمل تنشط فيه منذ أكثر من عشر سنوات. إذ إن معظم ناشطي السلام، الذين يتظاهرون أمام الحواجز الإسرائيلية، والذين يقفون أمام الجرافات الإسرائيلية التي تسعى الى إزالة البيوت الفلسطينية، منبعهم من هناك. هكذا، حللت الشهال منسقة «الحملة المدنية العالمية لحماية الشعب الفلسطيني»، ما يعانيه الناشطون من تعسفات في فرنسا لدى عودتهم، إن من ناحية محاكمتهم بتهمة «نشر البغض»، أو من ناحية اتهامهم بأنهم معادون للسامية. مؤكدة أن نشاط الحركة الأوروبية لم يعد يقتصر عند اندلاع الأحداث بل تعداه الى إطار أكثر تأثيراً واستمرارية وذلك من خلال حملة المقاطعة. ثم تحدث حسام شاكر عن تعاطي الإعلام الأوروبي مع القضية الفلسطينية، وكيف أن «الدم هو الذي يصنع الخبر»، شارحاً أن الحصار لم يعد خبراً مهماً بالنسبة إلى الصحافة برغم عدد الضحايا الذين سقطوا بسببه، لكن حادثة يزهق فيها الدم تصبح خبراً مهماً. ثم تلاه طارق رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة في أوكسفورد، فتحدّث عن وجوب تحويل القضية الفلسطينية الى قضية إنسانية وإسلامية، وعن إشراك المسيحيين في القضية الفلسطينية كي لا يبدو الصراع أنه بين اليهودية والإسلام، مؤكداً أن 67% من الرأي العام الأوروبي أصبح مناصراً للقضية الفلسطينية.
وكان حضور المؤتمر قد بحث في اليوم الأول (الأربعاء) خلفيات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، وتطور العلاقات الاقتصادية الأوروبية الإسرائيلية ومدى تأثيرها في السياسة الاتحاد الخارجية. لم تكن هذه البحوث الأكاديمية المحاور الوحيدة للمؤتمرين، إذ جرى تحليل سياسات بعض الدول الفاعلة في سياسات الاتحاد في الشرق الأوسط، وبعض الدول الداعمة للاجئين الفلسطينيين، ووضعت سياسات فرنسا تحت المجهر، إضافةً إلى كل من ألمانيا وبريطانيا، حيث أرجع المؤتمرون دوافع الأولى الى خشيتها من الجالية اليهودية الكبيرة التي تعيش على أراضيها، أما الثانية، فتعاني عقدة الذنب ممّا يسمى الهولوكوست، والثالثة تسير على خطى الولايات المتحدة الأميركية.


المقاطعة حرية رأي

حرب خفية تدور بين طرفين في أوروبا بخصوص إسرائيل، دعاة مقاطعتها وإسقاط الشرعية عنها، ومؤيديها من جهة أخرى، هكذا، رأت وزيرة العدل الفرنسية ميشال اليو ماري أنّ مبدأ مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تصرف «يحض على البغض» بين أفراد الشعب الفرنسي، مطالبةً باعتقال الناشطين الذين يسعون إلى نشر هذه الثقافة. وبالفعل، لم تجد السلطات الفرنسية أفضل من اعتقال ستيفان هيسيل، أحد المشاركين في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وأحد قادة المقاومة الديغولية للاحتلال النازي، والمعتقل السابق في سجون هتلر. التفصيل الإضافي الذي يشير الى «جنون» فرنسا، أن الرجل، يهودي وعمره 92 عاماً. ولقد دافعت عنه حملة المقاطعة بعريضة وقعها كبار المفكرين تحت عنوان: المقاطعة حرية رأي.