فريد بو فرنسيسلم يعد مزارع الشمال مؤمناً بأن للزيتون «موسماً كل عامين». حتى هذه القاعدة باتت غير ممكنة. المزارعون في حيرة من أمرهم، فبعض المصاريف في حقول الشمال صارت عبئاً وبالكاد يستطيعون قطف محاصيل «خجولة». أما أسباب تراجع المحصول فغير مفهومة. طبعاً، يعترفون بوجود مشاكل «تقليدية» واضحة هذا العام أيضاً، كالخلافات التي تحصل خلال عملية قطاف الموسم وتصريفه بين المزارع والعمال. ويحاول جورج عيناتي، رئيس لجنة الزيتون في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان، أن يفسر الأسباب الحقيقية لهذه الخلافات، وخصوصاً أن «السعر موحد بين كل الأقضية 10 آلاف ليرة «للمّيمة» و15 ألف ليرة «للفاروط». لكن تدخل السماسرة في العمالة يفاقم الخلافات. يتحكم هؤلاء بالفريقين المتنازعين: المزارعون والعمال. هكذا، تصبح المعادلة: العمال تحت رحمة المزارعين، والمزارعون تحت رحمة السماسرة، ويختلط حابل «اللمّيمة» بنابل «الفاروط»، والنتيجة؟ على حساب المحصول طبعاً.
لا يخفي المزارعون المشاكل الأخرى. إدوار الخوري، من بلدة كفرياشيت في قضاء زغرتا، متخوف من عدم تصريف إنتاج الزيتون هذا العام، لعدة أسباب، أولها أن زيت العام الفائت ما زال في الأقبية. وأكثر منذ ذلك، فالموسم هذا العام «لا يبدو جيداً». وعلى حد قول الخوري، سيقطف المزارعون محاصيلهم، رغم أن الكلفة أكثر من المردود «كي لا يذهب المحصول هدراً في الأرض». وفي قضاء زغرتا، صحيح أن مواسم الزيتون تختلف بين بستان آخر، لكن، وعلى غرار الموسم الماضي، حملت الأشجار حبوباً صغيرة. ويرى المزارعون أن «قلة المطر أخّرت الموسم كثيراً». برأي خوري مثلاً،

لا ينال المزارعون أكثر من 40 في المئة من مجموع الموسم
الزيتون ينتظر المطر حتى يتحدد حجم الموسم، وإلا فإن «نسب المحاصيل لن تكون مرتفعة ولن ينال المزارعون أكثر من 40 في المئة من مجموع الموسم». وإذا كان الخوري لا يشكو من تصريف إنتاجه من الزيت والزيتون لأن «الجمعيات تؤمن سوقاً واسعة لتصريف الإنتاج»، فإن العديد من مزارعي الزيتون الآخرين، يشكون من تكدس المحاصيل.
وفي الكورة، حيث توجد 20 في المئة من مجمل أشجار الزيتون اللبنانية، وأكثر من مليوني شجرة، لا تختلف الأمور كثيراً. وإلى مشاكل تصريف الإنتاج، تعاني الأشجار من أمراض تتنوع بين «عين الطاووس»، «ذبابة الشرق الأوسط»، و«ذبابة الزيتون»، فضلاً عن الرياح الساخنة المعروفة بـ«الشلهوبة التي تحرق حبة اللقاح وتمنع تكوين الثمرة». هكذا، تخسر الكورة ثروتها الزراعية، ولا بدائل هناك. أما في البترون، فأصبح الزيتون كسائر الزراعات الأخرى: إنتاج يساوي الكلفة وأحيانا أقل... بكثير. وبعدما كان الموسم الماضي «نصف موسم» انتظر المزارعون موسماً كاملاً هذا العام، لكن المفاجأة تفاوتت بين «ربع موسم» و«ثلث موسم»، وتالياً، إنتاج لا يكفي لسد تكاليف الحراثة والأسمدة واليد العاملة والأدوية. وللمناسبة، هذه هي التجربة الزراعية الثانية التي تحاصرها المخاطر في البترون بعد زراعة التبغ، لكن، معظم المزارعين، كإلياس أنطون، بدأوا البحث جدياً عن بديل للأشجار المعمّرة. وهذا العام في البترون، فضّل عدد من المزارعين عدم تفقد الإنتاج في بساتينهم على قاعدة: «عين لا ترى قلب لا يوجع».