ارفع رأسك يا ولدي، أنا ربّيتك على الشرف والنزاهة». تلك كانت آخر الكلمات التي ودّعت بها الوالدة ابنها الذي اعتقل لأنه يحارب تجارة المخدرات!
المغرب ــ فؤاد مدني
ودّعت الوالدة ابنها شكيب الخياري صبيحة الأربعاء 18 شباط 2009، حين خطفه رجال الفرقة الوطنية من أمام عينيها وساقوه إلى سجن عكاشة الذي لا يزال قابعاً فيه حتى اليوم. أما التهم فهي: تسفيه المؤسسات، تلقي تمويلات خارجية، التبخيس بمجهودات الدولة في محاربة المخدرات.
قبل يومين من الاعتقال، حضر رجال الضابطة القضائية إلى منزل شكيب وسلموه استدعاءً عاجلاً كتب عليه «إلى السيد شكيب الخياري رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان استدعاء لأمر يهمك». بعد حضور شكيب إلى مقر الأمن، قيل له إنّ الضابط سيتأخر في الحضور، فانتظره مرغماً في مقر الأمن، إلى أن أتى... بعد يومين. وبعد صدور أمر الاعتقال، عاد شكيب إلى منزله مع 10 رجال من الفرقة الوطنية والاستخبارات ورجال الضابطة القضائية. «فتشوا غرفة شكيب فقط وأخذوه ورحلوا»، يقول شقيقه أمين.
«لقد أصبح شكيب مزعجاً»، يقول أحد أصدقائه. ويؤكد شقيق شكيب هذه الملاحظة: «كان يشارك في كل التظاهرات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تنظم في الريف». وبالفعل، مَن تابع نشاط الشاب في الشهور الأخيرة فسيؤكد ذلك. إذ ملأت صور الشاب صفحات الجرائد، ولم يكن يمر أسبوع دون أن يعطي تصريحاً صحافياً أو حواراً أو يرسل بياناً لجمعية الريف لحقوق الإنسان، أكثر من ذلك فقد تحول إلى مصدر صحافي في محافظة الناظور في شمال المغرب، يستشيره الصحافيون القادمون من مناطق أخرى ومن خارج البلاد، إلى جانب بعض المسؤولين المحليين. «لقد صار مزعجاً لهم»، يردد أمين الخياري، فخلال أربعة أشهر سافر إلى هولندا لحضور أحد اللقاءات عن التجربة الهولندية في تقنين تجارة القنب الهندي، بعدها مباشرة رحل إلى إسبانيا لحضور لقاء آخر، وخلال هذه الفترة لم يتوقف عن حملته في فضح تجار المخدرات ومعاونيهم. كما شارك في برنامج تلفزيوني فضح فيه كلّ شيء أمام المغاربة وأحرج مسؤولين حكوميين، كما سجل تحقيقاً مصوّراً عن المخدرات في الناظور لمصلحة قناة «إم سيس» الفرنسية.
«كل شيء بدأ يوم وجّه شكيب رسالة إلى الملك يكشف فيها استفحال ظاهرة تهريب المخدرات في المنطقة»، إنّه التاريخ الذي حدده المتتبعون لما صار يعرف بـ«قضية الخياري» لبدء التضييق على الشاب.
انتقد شكيب حملة الاعتقالات الأخيرة بشدة، واعتبر أنّها لا تشمل الجميع وأنّ هناك برلمانيين أيضاً يختبئون وراء الحصانة البرلمانية يجب أن يُستدعوا للتحقيق معهم في قضايا المخدرات، و«الجميع يعرفهم». وهذه العبارة حسب العارفين هي القشة التي قصمت ظهر شكيب الخياري، لتصبح التهمة الموجهة إليه التي سيقدم على أساسها إلى المحكمة، لا أحد يعرف متى، هي «الإساءة إلى جهة سياسية».
«ماذا يقول الناس عني في الخارج؟»، سأل شكيب أخاه في أول زيارة له في السجن. عندما أخبره أمين أنّ الجميع يتضامن معه ويسانده، وأنهم أطلقوا حملة «كلنا شكيب»، وموقعاً إلكترونياً ولجاناً تضامنية في كل ربوع المملكة بدأ بالبكاء كطفل صغير، قبل أن يقول بدون تردد: «الآن يمكن أن يفعلوا بي ما يشاؤون».