زار لبنان أرمني وتركي يؤمنان بـ«عالم بلا حدود». هنا، التقيا أبناء الجالية الأرمنية، ليؤكدا أنه «يمكننا العيش معاً بسلام»
هاني نعيم
خلال الأسبوع الماضي، زار لبنان شابان أتيا من اسطنبول لفتح نافذة سلام بين شعبين يمثلانهما وتفصل بينهما عداوة تاريخية: الأرمني التركي روبير كوبتاش، وصديقه و«رفيقه» التركي أوزهان اوندرج.
روبير كوبتاش، الأرمني الذي لا ينتهي اسم عائلته بـ«يان» كسائر الأرمن اللبنانيين، لأن النظام التركي كان قد أجبر السكان الأرمن على شطبها من السجلات، هو صحافي وناشر. يكتب عموداً أسبوعياً في جريدة Agos، التي أسسها صحافي اسمه هرانت دنت، كان قد اغتيل قبل أعوام على أيدي متطرفين أتراك، نظراً إلى مواقفه الحازمة من الإبادة الجماعيّة التي تعرّض لها شعبه. تحمل الجريدة صفحات باللغتين لتخاطب الأرمن والأتراك على حد سواء. واتجاهها واضح: الدفاع عن الحريّات، وعن حقوق الأرمن في تركيا. وذلك «كونَ الأرمن هم مواطنون من الدرجة الثانية في تركيا»، على حدّ تعبير روبير.
أما دار النشر التي يملكها، «آراس»، «فاسمها يرمز إلى كونها جسراً ثقافياً بين الثقافتين (فهي منطقة حدوديّة بين أرمينيا وتركيا)، وهي تهتم بترجمة الأعمال من اللغة الأرمنيّة إلى التركية لتعريف القارئ التركي على الثقافة الأرمنيّة»، كما يقول روبير شارحاً.
أما الشاب التركي أوزهان أوندرج، فهو موسيقي عازف غيتار، ومخرج أفلام وثائقيّة، وناشط سياسي مع حزب «الحريّة والتضامن» اليساري، ويستعدّ اليوم لنيل الدكتوراه في «سوسيولوجيا المجتمع الغجري في تركيا».
اكتشف الشابان، ما إن التقيا منذ سبعة أعوام خلال نشاط سياسي ـــــ ثقافي، أنهما يتشاركان الاهتمامات ذاتها. وأكثر من ذلك، يجمعهما حلم كبير: تحقيق «عالم بلا حدود».
أن يتشارك شابان، آتيان من ثقافتين تصارعتا (وما تزالان) منذ زمن بعيد، حلماً كهذا، يشرح الكثير عن سبب زيارتهما لبنان، ولقاء الأرمن القاطنين فيه، وخصوصاً أن العلاقة بين دياسبورا الأرمن وتركيا منقطعة.
أرادها الشبّان مبادرة لردم الهوّة بين الشعبين
يُخبر الشابان أن مبادرتهما التي تهدف إلى خلق مساحات مشتركة بين الأرمن والأتراك تشبه الكثير من المبادرات الشبابيّة، الثقافيّة والفنيّة التي يقوم بها شباب مثلهم لردم الهوّة بين الشعبين. في هذا الصدد، يقول روبير «علينا أن نلتقي، وأن نصغي بعضنا لبعض، ونتعرّف أكثر على ثقافاتنا لنفهم بعضنا أكثر»، بينما يُضيف أوزهان « نحن جيل مختلف. تجربتنا مختلفة. الفرص متاحة لفهم بعضنا البعض، وخصوصاً أن وسائل التواصل بيننا تسمح بخلق مساحات مشتركة بيننا». وهذه المساحات تكون، كما يتدخل روبير شارحاً، «عبر خلق ثقافة جديدة، من أدب، موسيقى وسينما، وغيرها.. لتكون جسراً يبني بين الأجيال».
انطلاقاً من هذه النقطة، يوافق الاثنان على البروتوكول الموقّع بين أرمينيا وتركيا، كونه يفتح الحدود بين البلدين. ولكن، «مشكلته الكبرى»، على حد تعبيرهما هو أنّه «أغفل القضايا التاريخيّة العالقة، ولم يواجه الحقيقة كما هي»، في إشارة منهما إلى الإبادة الأرمنيّة التي تقوم عليها الخلافات التركيّة ـــــ الأرمنيّة، والتي لم يلحظها البروتوكول بوضوح.
«ارتكبت أخطاءً في الماضي، لكن هذه الأخطاء يجب أن تكون منصّة لتأسيس التقائنا، لا لتعزيز الكراهيّة المتبادلة». يوضح روبير أن «المشكلة ليست مع الشعب التركي، وهو ليس عدواً، وإنّما مع النظام الذي يبث البروباغندا التضليليّة بين الناس. لذا علينا أن نُخبر الشعب عن الحقائق التاريخيّة». ويتّفق الاثنان على أن «المجتمع يتغيّر. ديناميكي. ومع الوقت أصبح يعرف أكثر عن ثقافة الأرمن وتاريخهم».
هذه الخلاصات ناقشها الشابان عبر ندوتين في جامعة هايكازيان «الأرمنيّة» في بيروت، وأخرى في عنجر. إضافة إلى عرض فيلمين من إخراج أوزهان: أحدهما عن أرمن تركيا وآخر عن الصحافي الراحل هرانت عرضا في «زيكو هاوس».