كان الجميع مهتمين بمباراة الإنتر الإيطالي وبرشلونة الإسباني. الإنتر، الفريق الثاني في مدينة ميلانو، ومعظم مشجعيه المحليين من مناوئي سيلفيو برلسكوني، الوحش الاقتصادي الذي يحاول ابتلاع المدينة. برشلونة، الغني عن التعريف، أخيراً، يحمل اسم عاصمة مقاطعة كاتالونيا، التي تخرج منها أصوات بين الحين والآخر مطالبة بالانفصال عن المملكة الإسبانية، وإن كانت هذه الأصوات أخفت من أصوات الباسكيين قليلاً. بكلمات أخرى، الشباب اللبناني منقسم بين مدينتين أجنبيتين مشبعتين بالنزعات الثورية. الشباب هنا يقرع الطبول لتلك المدن. يرفع أعلامها. ينزل إلى الشوارع بالمئات ليحتفل بفوز برشلونة، أو ميلانو ـــــ لا فرق ــــــ فلم يبق ما يحتفل به محلياً. الطوائف أكلت كل شيء. والعلمانية، إن كانت ستتحول إلى طائفة، كما يعنيه تعريف الطوائف، فلن تغري الشباب، حتى ولو ركز المتظاهرون على النهود الكبيرة، والثياب القصيرة. إذا استمرت الأمور هكذا، فلن ينافس الرئيس سعد الحريري على شعبيته أحد غير غابرييل ميليتو، ولن يقلق السيد حسن نصر الله، على حضور حزبه في المجتمع، فلا أحد يضاهيه شعبيةً في أماكن النفوذ سوى ليونيل ميسي. ربما تكون مقارنة فاشلة، وغير علمية، لكنها ممكنة. فمنذ الانتخابات النيابية، وكل الجنون الأمني المعاق الذي شهدته البلاد، لم يرتفع علم واحد لفريق رياضي محلي. قضمتها السياسة وحلقت رايات الأحزاب فوق الرؤوس. واليوم، توطّدُ العلاقة بين الشباب وفرق أوروبا، وكأس العالم، ليس أكثر من محاولات تعويض للاقتناع بجدوى البقاء، فلا يمكنهم العيش على فتات السياسة. الناس يريدون أن يرقصوا رقصاً حقيقياً غير معلوك، وطبعاً لا أحد مهتم بمهزلة الانتخابات البلدية المحلية.
الناس في الشوارع يحاولون الخروج من الإطار، ولو من نافذة العولمة. سبقوا العلمانيين الذي تظاهروا قبل أيام بأشواط. هؤلاء الأخيرون ما زالوا في الإطار. يكادون يصبحون طائفة لها مناسكها، يطغى عليها الاستعراض، وتفتقد المشروع. كل المشكلة في الاستعراض الجماعي.
أ. م.