مفهوم الصحة النفسية جديد على الشباب اللبنانيين. الدراسات عنه موجودة، لكنّها لا تولي هذه الفئة اهتماماً. على مدى يومين، ناقشت «ورشة الموارد العربية» هذا المفهوم وربطه بالإعلام والشباب مع عدّة مختصّين
محمد محسن
ليس سهلاً أن تسأل شاباً لبنانياً عن صحته النفسية. فالمصطلح، للوهلة الأولى، يبدو محصوراً في جانب العلاج النفسي، بمعزل عن حجم قبوله أو رفضه اجتماعياً. تالياً، تبدو الإجابة أصعب من طرح السؤال. الصحة النفسية ليست واردةً في حسابات شبّان كثر. هي ليست علاجاً على كرسي الطبيب النفسي، كما يوحي الاسم، بل وقاية تشمل نوعية حياة الشاب ضمن ميادين اجتماعية وعلمية متعددة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياته، كالتربية، الصحة، علم الاجتماع، علم النفس، والإعلام. هكذا، فتحت ورشة العمل التي نظمتها «ورشة الموارد العربية» خلال اليومين الماضيين في فندق ميريديان كومودور، تحت عنوان «الإعلام والشباب والصحة النفسيّة... نحو دور تكاملي» الباب واسعاً أمام التعرف إلى مصطلح جديد، تبدو حاجة الشباب إلى مراعاته ملحّة في ظل الظروف الصعبة التي يقاسيها أغلبهم. في عام 1978 عرّفت منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنها «حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، يتطلب تحقيقها جهود عدة قطاعات اجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى القطاع الصحي».
خلال ورشة العمل، انطلق المتخصصون من هذا التعريف، لكن من دون التسليم بصوابيته تماماًً. فككوا العناصر التي تكوّن الصحة النفسية عند الشاب، وبدأوا بتحليل أدوارهم، وخصوصاً دور الإعلام. لكن قبل بداية عمل المجموعات، قدّمت الدكتورة نهوند القادري عيسى قراءة تحليلية في 42 بحثاً تناولت موضوع «الإعلام والصحة النفسية». بعد ذلك، بدأ عمل المجموعات التي تكوّنت على أساس التخصص. كان الإعلام في مرمى الأسئلة. كيف يؤثر على مختلف الميادين من التربية والصحة وعلم الاجتماع والصحّة؟ المجموعات قالت كلمتها وعرضت توصيات كثيرة، كلّ في مجاله. خلاصة توصيات اليوم الأول تناولت دور الإعلام و«أملت» عليه ما يجب فعله للصحة النفسية، وخصوصاً في مجالات التربية والصحة وعلم الاجتماع والإنسان: دعوة لإيجاد إعلام متخصّص، إجراء أبحاث جادة مستقبلية لتفحص عدداً من الفرضيات التي طُرحت في الورشة، الأخذ في الاعتبار الأوقات المناسبة للبث والنشر، ضرورة إشراك الأهل في كيفية التعاطي مع مشكلات الشباب. المطلوب من الإعلام كثير، وقد يفوق طاقة الإعلاميين. لهذا، خصّص يوم أمس لهم، حيث طرحوا الأسئلة والمطالب على المختصين الذين تحدثوا بلسان الشباب. انقسم المشاركون إلى 3 مجموعات: الأولى كان مقرراً تخصيصها للإعلاميين، لكن نظراً لغياب أكثريتهم، طُعِّمت بأعضاء من الاختصاصات الأخرى. أما المجموعتان الباقيتان فقد مثلّتا الشباب، وكان لهم أن يطرحوا أسئلتهم وتوصياتهم للإعلاميين. ماذا يريد الشباب من الإعلام في ما يتعلّق بموضوع الصحّة النفسية؟ وماذا يريد الإعلام من الشباب ومن يمثلّهم في الموضوع نفسه؟ سؤالان محوريان حكما مجريات الورشة أمس. لم تمل الكفّة لمصلحة الإعلاميين. الرغبة في الدخول إلى خصوصيات عمل الآخر كانت واضحة خلال النقاشات بين المختصين. ثمة أمور أوضحها الإعلاميون والعاملون في وسائل «الإعلام البديل». كذلك، صوّب أساتذة الاجتماع والتربويون بعض المصطلحات والمفاهيم، وقدموا قاعدة بيانات كبيرة بمصادر المعلومات عن كل اختصاص. النقاشات لم تتخللها أسئلة بقدر ما كانت طرحاً لأفكار متبادلة. الإعلام تحت وابل النقد: يقدّم التسويق على التثقيف، لا يستعين بمختصين في أمور الصحة النفسية للشباب، برامجه وكتاباته تعمّق المشاكل بدلاً من حلّها، صورة نمطية سلبية عن الصحافيين الذين يولون السبق الصحافي أهمية على أخلاقيات المهنة، وأخيراً وليس آخراً، تغليب الخطاب الغرائزي على الخطاب العقلي التربوي. حان دور الإعلاميين لتبرئة ساحتهم: لوم لمصادر

توصيات كانت أهمّها ضرورة تدريب الإعلاميين والشباب على حد سواء
المعلومات، وخصوصاً الجمعيات الشبابية التي تعدّ الإعلام منصة للشهرة، عدم تحمل أي نقد من جانب الإعلاميين، ولو كان منصفاً، والإحجام عن إعطاء أي معلومة لا تتوافق ومصلحة المصدر، وهو ما يصعّب عمل الإعلامي في مناسبات وتغطيات متكررة. حدّة النقاش لم تحل دون الاتفاق على بناء جسور بين المتخصصين من الشباب والإعلاميين، عبّرت عنها توصيات كثيرة. توصيات كانت أهمّها ضرورة تدريب الإعلاميين والشباب على حد سواء، على تعريف وأهمية المصطلحات والمفاهيم التي تعنى بالصحة النفسية. كذلك، شدد المشاركون على ضرورة توفير قاعدة معلومات توضح احتياجات الشباب ليتمكن الإعلام من التعاطي معها بما يكفل مصلحة الفائدة المشتركة لرسالة الإعلام واهتمامات الشباب، والاستعانة بالمتخصصين خلال طرح مواضيع ترتبط بالصحة النفسية للشباب، الذين أوصاهم المشاركون بضرورة الإقلاع عن الموروثات والصور النمطية تجاه التعامل مع الإعلام. لوهلة، يبدو الكلام تنظيرياً؛ فالتوصيات كثيرة واليد قصيرة. لكن، بالرغم من ذلك، بدا واضحاً أن الورشة مدّت جسوراً بين عدد من المختصين، الذين أبدوا حماسة للمشاركة في دراسات جديدة ستُعَدّ عن الصحة النفسية. في الحد الأدنى، كوّن الجميع تعريفات عن المفهوم الجديد، كل حسب اختصاصه، وكيف يمكنه أن يساعد في توصيل المفهوم الجديد. المؤكد أن الورشة لن تحل مشكلة، لكنها خطوة أولى ستليها خطوات، شرط نجاحها الابتعاد عن التقليدية في شرح المفاهيم.


تأثير حتمي على المتلقي؟

تشير الدراسة التي أعدّتها الدكتورة نهوند القادري (الصورة) إلى أن النسبة الكبرى من الباحثين في الإعلام والصحة النفسية ضمن العيّنة التي تناولتها، وقفت موقفاً معتدلاً من تأثير الإعلام على المتلقّين، فكانت نسبتهم 31%. أما الذين نظروا إلى التأثيرات نظرة حتمية، فكانت نسبتهم 21.4%، فيما ربط 9.5% حتمية التأثيرات الإعلامية على المتلقي بظروف معينة، واكتفى 7.1% من الباحثين بالتساؤل عن الموضوع