زينب صالحتنتظر الفتاة اللحظة التي ستقول فيها «نعم» لفارس أحلامٍ تكمل معه مسيرة حياتها. لكن في بعض القرى، ثمّة فتياتٌ يُجبرن على قول تلك الكلمة، في عائلات تُحرّم فيها كلمة «لا» في تلك اللحظة الحاسمة من حياتها. في بعض القرى وفي بعض العائلات، لا يعود للفتاة أن تقرر الموافقة أو عدمها على «العريس». التقت «الأخبار» بعضهن، فتحدثن، ولكن… بأسماء مستعارة.
بعد التخرّج، تقدم لؤي، حبيب مقاعد الدراسة، لخطبة منى، لكنّ والدها رفضه رفضاً قاطعاً. العذر مبرّر بالنّسبة إلى الوالد. السّياسة. فالوالد «مسؤول منطقة» في حزب ما، والشّاب ينتسب إلى حزبٍ آخر. والفتاة «متل ما حبّتو بتحب غيرو». هكذا قال. استعانت الفتاة بأقاربها من أجل إقناع والدها، لكنّها لم تصل إلى نتيجة. بعد ذلك، أجبر الأب ابنته على الموافقة على «عريس من الضّيعة»، مهدّداً بـ«التّبرّي» منها، وطردها من المنزل.
معاناة الفتيات مع «البابا» كثيرة. فوالد سوسن رأى أنّ ابن عمّها سيكون الصّهر المثالي. بنظر الأب، هذا سبب كاف لتزويج ابنته منه، رغم أنّها لا تحبه. «فكرت في الهروب من المنزل، لكنّ والدي هدّدني بأنه سيقتل والدتي إذا قمت بذلك!»،

تتنوّع الأسباب والحالات لكنّ الفتاة تظل الحلقة الأضعف

تضيف: «أخاف على أمّي، فأبي قاسي، وقد يفعلها». هكذا، ستتزوّج الفتاة الجامعيّة، بعد أيّام، رجلاً يكبرها بعشرين عاماً. المجتمع هنا صامت، لكنّه لم يكن كذلك عندما أحبّت كارليت محمد.
«أنا مسيحيّة وهو مسلم». منعت الوالدة مشروع الزّواج. وخوفاً على ابنتها من الهرب مع محمّد، أجبرتها على الزواج من شربل. بعد زواج كارليت بأشهر، عادت للتّواصل مع الحبيب السابق، مبررة بعينين دامعتين «أحياناً يجبرنا المجتمع على تكبّد خطايا نحن في الغنى عنها».
يتحدث علي عن قصّته مع الحبيبة التي غادرت البلاد مع زوجها. أسباب المعاناة هنا عائليّة، و«موضوع تصفاية حسابات» كما يقول. «عشنا قصّة حب دامت ثلاث سنوات، لكنّ أهلها رفضوني لأسباب عائليّة تتعلّق بأقاربي لا بي. بعد ذلك أجبروها على الزّواج من مغترب سافرت معه». وبعد فترة اتصلت بي وهي تبكي، فهدّأتها قليلاً، ثمّ طلبت منها ألّا تعاود الاتصال». يؤكّد علي كلام كارليت، فـ«فالمجتمع يدفعنا إلى مخالفة الدّين والتقاليد، ثمّ يأتي ليحاسبنا على خطئنا». يستفيض في الحديث عن المرارة التي شعرا بها «عندما كانت تزور لبنان. رأيتها صدفةً على الطّريق، فلم أسلّم عليها تجنّباً لإثارة مشاعرنا، لكن بعد ساعة أجهشتُ بالبكاء واتّصلت بها، فبكت معي».
هكذا، تتنوع أسباب رفض أهل الفتاة للشاب، وإجبارها على آخر. بعضها يتّخذ طابعاً «ديموغرافيا»، كوالد ريم، الذي رفض تزويجها من «ابن المدينة»، وأجبرها على الاقتران بابن خالتها تحت حجّة «القريب أولى من البعيد»، و«أعور الضّيعة أحسن من ملك المدينة». لم يكن عليها سوى الرضوخ، فهي الحلقة الأضعف.