اليوم، تحيي الطوائف الغربية الجمعة العظيمة، أو الجمعة «الحزينة»، وهي نفسها التي ستحييها الطوائف الشرقية بعد أسبوع. هذا الفارق بين «التاريخين» يعدّ حديث العهد في الكنيسة، فمنذ عام 325 ميلادي حتى عام 1585، كان كل المسيحيين يتبعون التقويم «الجولياني»، ويحتفلون بالفصح في التاريخ نفسه: الأحد الأول بعد البدر الذي يلي يوم 21 آذار من التقويم الجولياني، لكن في أواخر القرن السادس عشر، ظهرت بعض «الشوائب» في ما يخص هذا التقويم، وخصوصاً في ما يتعلق بالأعياد، فقرر البابا غريغوار الثالث عشر طرح تقويم جديد عرف بـ«الغريغوري»، واعتمدته بلدان أوروبا الكاثوليكية.
أما الكنائس الأرثوذكسية، فبقيت تستعمل التقويم القديم. وهذا «سرّ» الاختلاف بين الشرقية والغربية.
مع ذلك، لم تختلف الطقوس كثيراً، فأسبوع الآلام واحد، وهو الذي يعاد التذكير فيه بالمحطات التي عرفها المسيح في طريقه إلى الصلب. ومن أهم أيام هذا الأسبوع أربعاء الزيت، أو أربعاء أيوب، وهو يوم تقديس الزيت في الكنائس، حيث يجتمع أحياناً كهنة أبرشية واحدة في الكاتدرائية لإقامة مراسيم إعداد الميرون لاستعماله في طقوس العماد. لأربعاء أيوب في بيروت نكهة خاصة، فحتى خمسينيات القرن الماضي، كانت العائلات المسيحية والمسلمة تنطلق إلى شاطئ الرملة البيضاء لقضاء النهار. ومن أبرز طقوس ذكرى النبي أيوب، وهو مثال الصبر، الاغتسال بمياه البحار سبع مرات، والسباحة فوق سبع أمواج، علماً أن للرقم 7 دلالة خاصة في الأديان الموحدة، فهو رمز الكمال، وفيما الرجال والشباب يسبحون، تحضر النسوة «المفتقة»، وهي من الحلويات البيروتية الخاصة بالعيد. وتعود تسمية هذا الطبق إلى الجهد الذي تبذله النسوة في تحريك مكوناته لساعات عديدة... حتى «تتفتق» أكتافهن.
يلي أربعاء الزيت خميس الأسرار، وهنا يجري الاحتفال برتبة الغسل، إذ يعاد تمثيل العشاء السري للسيد المسيح، الذي يعدّه المسيحيون تأسيساً للكنيسة، حيث يقوم الكاهن بغسل أرجل 12رجلاً يمثلون الرسل، وهو ما قام به المسيح. بعد الخميس، تأتي الجمعة العظيمة، التي تبدأ برتبة إنزال المسيح عن الصليب ودفنه، ثم تقطف الأزهار ويتوجه المؤمنون إلى الكنيسة لوضعها في نعش صغير يمثل نعش المسيح، وتلبس النسوة الأسود وتدق الأجراس حزناً لإقامة رتبة دفن المسيح في المساء. وتشدد الطقوس والتراتيل الدينية على فكرة الحزن والآلام والموت وفكرة تمجيد تجسد المسيح وموته لخلاص البشرية. في الكنائس الكاثوليكية تتمحور التراتيل حول فكرة الحزن «أنا الأم الحزينة». أما تراتيل الكنيسة الأرثوذكسية، فتركز على فكرة تمجيد آلام المسيح وخلاص البشرية من خلالها: «نعظمك باستحقاق».
أما سبت النور، فالتسمية رمزية بامتياز، وتعود إلى تقليد خاص بكنيسة القيامة في القدس، إذ يعتقد المسيحيون أن «النور المقدس» يفيض من القبر المقدس على نحو عجائبي، فتضاء منه شموع ترسل الى كل الكنائس الأرثوذوكسية في العالم.
أحد الفصح، وهو يوم انتصار الحياة على الموت وقيامة المسيح من بين الأموات، وتحتفل الكنائس بطقوس هذه الذكرى عند منتصف الليل، حيث يتوافد المؤمنون إلى الكنائس ويتبادلون تحية العيد الخاصة «المسيح قام حقاً قام». وفي الكنيسة الأرثوذوكسية، يحمل الكاهن شمعة أضيئت من النور الآتي من القدس، ويدعو الناس إلى إضاءة شموعهم منها، ثم يخرج قسم من الناس مع الكاهن إلى باب الكنيسة ويوصدونه. ويمثل الباب الموصد القبر، ويقوم الكاهن بقرعه ثلاث مرات ويفتح... و«يهجم» الناس.
وغالباً ما تقام مبارزات في تفقيس البيض الملون. وللبيض سره، فهو رمز الحياة في الحضارات القديمة. أما علاقته بالفصح، فتعود إلى الأعراف التي ترعى الصوم المسيحي، الذي يحرّم استهلاك اللحوم والبيض لمدة أربعين يوماً. ولكي تحفظ طيلة مدة الصوم، كانت تسلق وتلون بالجذور والأعشاب. تؤخذ سلات البيض المسلوق إلى الكنيسة فيباركها الكاهن وحينها تبدأ المبارزة «بفقس البيض». أما رمزية العمل، فهو يعبر عن فكرة خروج المسيح من القبر وعودة الحياة إلى الأرض.