يعود زقاق البلاط إلى الواجهة هذا الأسبوع مع عودة الحديث عن هدم مبنى قصر عكر. فصاحب البيت القديم الذي كان في ستينيات القرن الماضي معلماً ثقافياً مهماً، يحلم منذ أشهر (راجع عدد الأخبار ١٥٣٧ الجمعة ١٤ تشرين الأول ٢٠١١ ) بتحرير العقار وهدم البيت لاستبدال القصر ببرج عال، يدر عليه ملايين الدولارات. وفي محاولة قانونية لوقف أعمال التخريب، أدخلت الوزارة منذ شهر واحد القصر في لائحة الجرد العام. هكذا، بعد انتظار دام أكثر من سنة، ومن دون أي مبرر منطقي، باتت العقارات الثلاثة المتلاصقة في زقاق البلاط (قصور عكر وحنينة وزيادة) محمية قانونياً. لكن صاحب العقار يحمل في يده اليوم إذناً بالهدم موقعاً من بلدية بيروت، فهل تحاول هذه الأخيرة الدخول على خط الأبنية التراثية لمساعدة أصحابها على التخلص منها، كما كان متوقعاً؟ (راجع عدد الأخبار ١٦١٤ الجمعة ٢٠ كانون الثاني ٢٠١٢).
ينفي وزير الثقافة غابي ليون الأمر، لكون الوزارة هي الجهة الوحيدة في الدولة اللبنانية المعنية ببتّ قرارات الهدم، لا البلدية.
لكن ما يحصل هو أنّ بلدية بيروت تعمل حالياً على إتمام جردة كاملة لمنازل بيروت التي تمثّل خطراً على السلامة العامة، فهل ستدخل من هذا الباب إلى ملف البيوت التراثية للتأكيد أن بعضها، وخصوصاً الممنوع هدمه غير صالح للسكن؟
يقول مؤسس جمعية حماية تراث بيروت جورجيو صفير، إنّ الاتصالات نشطت بعد انهيار مبنى فسّوح على خلفية أنّ هناك50 عقاراً مجمداً هدمها غير صالحة للسكن.
ويؤكد ليون أنه «استبق هذا الوضع وأوضح في جلسة مجلس الوزراء أن استغلال الجثث لتقرير إن كانت البيوت التراثية خطراً على السلامة العامة أمر ممنوع؛ فالبيوت التاريخية لا تمثّل في المبدأ خطراً؛ لأن القدم ليس العامل الأساسي للتصدع، وإن كانت المباني التي تعاني تصدعات يجب ترميمها لا هدمها. ولو أتى تقرير البلدية عن البيوت التراثية ليؤكد أنها تمثّل خطراً على السلامة العامة، فستطلب الوزارة إخلاءها لترميمها لا لهدمها. يؤكد ليون «أنّ البلدية لا الوزارة تلزم صاحب العقار قانوناً بالترميم تحت طائلة المسؤولية، وإن لم تفعل ذلك فستكون قد أخلّت بواجباتها»، مشيراً إلى أهمية التعاون مع البلدية، وخصوصاً أنّه كلما أرادت الوزارة دعماً قانونياً في قضية البيوت القديمة، تتوجه إلى محافظ بيروت لتلبية النداء!
ويعرب الوزير عن نيته ببدء تعاون حقيقي مع البلدية. ويلفت إلى أن الرخصة التي يحملها صاحب قصر عكر هي لبناء سور حول البيت استغلها لأغراض أخرى. فهل توجهت شرطة البلدية إليه لتوقف الأعمال؟ لا، يقول ليون، بل طلبت وزارة الثقافة من وزير الداخلية تنظيم دوريات حول القصر للتأكد من توقف الأعمال التخريبية.
تخريب قصور زقاق البلاط هو الملف الساخن الذي تعمل عليه الوزارة، وسيكون المحك لمعرفة جديتها في التعاطي مع البيوت القديمة. ففي الجزء المقابل لقصر عكر يقبع قصر حنينة الذي تزين واجهته منذ أشهر فجوة تكاد تودي بالمبنى. يشير ليون إلى أنّ الوزارة أرسلت إلى مالك العقار (سعد الدين الوزان وشركاه) إنذاراً تحذره فيه بضرورة إغلاق الفجوة للمحافظة على القصر. لكن صاحب العقار، العضو السابق في بلدية بيروت، لم يأبه للإنذار أو بمن أرسله، بل ترك الفجوة مفتوحة على عينك يا تاجر!
يرفض الوزير هذا الواقع، ويعد بإرسال إنذار ثانٍ، وفي حال عدم الاستجابة يحال الملف على القضاء اللبناني.
وفي انتظار أن يواجه مالك العقار القاضي، تحرمه الدولة الملايين للمحافظة على بناء لم يعد يحتمل الترميم. وعلى أمل ألّا يدعم ملفه بتقرير من بلدية بيروت، يبقى ملف البيوت القديمة في عهدة الوزارة. وحول التعاطي مع هذا الملف الشائك والمسيَّس، يقول الوزير إنّه سيقوم بكل ما هو قانوني ليحمي البيتين ويمنع هدمهما. ويبقى أن يحصل وفريقه على الدعم اللوجستي لهذه القضية.