محمد محسنهنا شارع «فردان»، حيث المحالّ والمجمّعات التجارية الحديثة، وهناك شارع «فوش» الذي يخترق قلب العاصمة بمبانيه التي ـــ والحمد لله ـــ لم تهدمها سوليدير. أما شارع «كاترو»، الذي عُلِّق الدستور مرات عدّة في عهده، عندما كان مندوباً سامياً، أي محتلاً، فيقع في منطقة بدارو، حيث تطل عليه مباني أطباء الجيش اللبناني المجاورة للمستشفى العسكري هناك. فيما يقع كلٌّ من شارعَي «غورو» الذي أعلن دولة لبنان الكبير عام 1920 من قصر الصنوبر، والذي كاد اللبناني أدهم خنجر أن ينجح في اغتياله، و«ويغان» في منطقة رأس بيروت، ويا له من موقع.
هكذا، تتناثر إذاً أسماء قادة المستعمرين، في شوارعنا «المحررة» منذ 65 عاماً. هل العتب هنا، في الإبقاء عليها، يقع على البلديات المتعاقبة؟ أم أن كل هذه الأسماء تعني أننا لا ننكر تاريخنا وذاكرتنا التي هي جزء من تاريخ لبنان، وخصوصاً أنها مرحلة انقضت؟ بالطبع، هناك شوارع تحمل أسماءً وطنية، وربما كانت هي الطاغية، لكن الثابت أن إطلاق أسماء زعماء الاستقلال على بعض الشوارع، لن يزيل الاستعمار من الذاكرة العقارية لبيروت في الحدّ الأدنى، ولا يبدو أنها تزعج أحداً غير المواطنين العاديين، أمثالنا.
تستفز تسمية الشوارع بأسماء قادة المستعمرين ذاكرتنا الوطنية، وخصوصاً أنها تأتي بعد سلسلة مقاوماتٍ وثوراتٍ رفعت ألوية التحرير تارةً، والسيادة تارةً أخرى.
هكذا، ستسلك مواكب الرسميين الذاهبة للمشاركة في الاحتفال الرسمي، شوارع بيروتية جميلة تحمل أسماء مستعمرين نحتفل بجلائهم عنّا. ستقطع مواكب النواب والوزراء، وربما الرؤساء، من شوارع فوش وفردان باتجاه ساحة الشهداء، حيث يُجري الجيش عرضه العسكري. أما تلاميذ المدارس، فلن يفهموا العلاقة بين مستعمر أو مندوب سامٍ، درسوا في كتاب التاريخ عن معاملته السيئة للبنانيين مثل الجنرال كاترو، في وقت أطلق فيه اسمه على شارع في قلب العاصمة! فهل يتساوى شارع عمر الزعني أو رشيد نخلة أو عبد الحميد كرامي أو رياض الصلح أو حبيب أبي شهلا، بشوارع تحتفظ بأسماء المستعمرين؟
يطالب حسان دكروب (25 عاماً) بإلغاء أسماء جنرالات الاستعمار من ذاكرة الشوارع، لأنه «عنّا ناس كفاية نسمّي شوارعنا بأساميهن». أما بالنسبة إلى الطالبة غنى ضاوي (21 عاماً) فإن الأمر ليس بالأهمية الكبرى، فهذه الشخصيات أصبحت من الماضي، ولا بأس، بحسب ضاوي، في أن «تشهد أسماء المستعمرين على المناطق التي كانوا يمارسون استعمارهم فيها». أما عبد الله حيدر (75 عاماً)، وهو جد أحد الأصدقاء، فيتذكر «كيف كنّا أيام الانتداب، وكيف كانوا يحتلون بلادنا»، متسائلاً بلهجةٍ غاضبة: «في شارع حسن نصر الله بفرنسا؟»، وحين تتهمه بالتحيّز، يقول لك مستفزاً: «يا خيي في شارع كمال جنبلاط بإنكلترا؟»، مشيراً إلى أن الاستعمار لا يترك أثراً حسناً «إلا إذا كنا نظن أن الاستعمار شيء جيد أو لمصلحتنا». فبرأي الرجل، الكثيرون من اللبنانيين يرتاحون لهذه الذاكرة الاستعمارية، حتى لو كانت متمثلة في لافتة صغيرة تحمل اسم شارع.


لجنة تسمية الشوارع

تضمّ بلدية بيروت لجنةًً تعرف بـ«لجنة تسمية الشوارع»، وهي ـــــ كما هو واضح من اسمها ـــــ مسؤولة عن تسمية الشوارع. يشير رئيس هذه اللجنة، إبراهام ماطوسيان، إلى أن الشوارع المسمّاة بأسماء الجنرالات الفرنسيين، قد سمّيت منذ زمنٍ بعيد، مؤكداً أن مهمة اللجنة «ليست تغيير اسم الشارع، بل تسمية شوارع جديدة، ضمن آلية تأخذ في الاعتبار السيرة الذاتية لأي شخصية اسمها مطروح لتسمية الشارع». يشرح ماطوسيان آلية التسمية، فيشير إلى أن اللجنة تجتمع، وبحوزتها لائحة بأسماء وملفات شخصية لبعض الشخصيات، فتقرّر اللجنة ـــــ بعد النقاش ـــــ اسم الشخصية التي تليق بمكانتها تسمية الشارع.