هويات ثلاث في مخيم ضبيه: فلسطيني ـــ فلسطيني يحمل «كارت إعاشة» أي التسمية الشعبية لبطاقة لاجئ، وفلسطيني ـــ لبناني جُنّس في خمسينيات كميل شمعون وتسعينيات بشارة مرهج، ولبناني ـــ لبناني نزح من الأطراف هرباً من الحرب
ضبيه ـــ رندلى جبور
برغم تعدد الهويات الوطنية، إلا أن لمخيم ضبية هوية طائفية واحدة: 2500 مسيحي فلسطيني و400 مسيحي لبناني، وفق الإحصاءات الأخيرة للأونروا تصدرها رسمياً الشهر المقبل. وتتجلى هذه الهوية في كنيسة القديس جاورجيوس للروم الكاثوليك في الشارع الرئيسي للمخيم، ودير مار يوسف البرج صاحب الأرض الذي يظلله من أعلى. ومع أن كلمة مخيم كادت تلغى ليُطلق على هذه المساحة التي تمتد على 84 ألف متر مربع اسم «حي مار يوسف البرج»، إلا أنه مخيم حتى لو تمايز في أمور كثيرة.
في الشكل، المنازل ليست إلا غرفاً صغيرة متلاصقة ومسقوفة بالأترنيت كانت قد بنتها الأونروا بعدما استأجرت الأرض من الدير عام 1952. ويشرح مسؤول في منظمة غوث اللاجئين أن الدير يمنع السكان من إعادة تأهيل مساكنهم «لكننا نحضّر ملفاً سنقدمه للمتبرعين، لعلّ الأموال تساهم في حل تلك المشكلة مع الرهبان». أما الطرق التي تحدد المخيم بخمسة شوارع فمرتبة ونظيفة. عبّدها بعض المرشحين للانتخابات النيابية عام 2005 وتواظب الأونروا على أعمال التنظيف دورياً.
والتمايز لا بد من أن تلحظه في زيارة المخيم المفتوح للعموم: صور الزعماء الفلسطينيين غائبة، وحتى الكوفيات والأعلام والشعارات الفلسطينية. مكانها أعلام للجيش اللبناني وشعارات حزبية لبنانية أكثرها انتشاراً «دلتا» القوات اللبنانية.
«تربينا هنا ولا نعرف عن فلسطين شيئاً»، تقول أم أنيس التي أتت إلى المخيم في الرابعة من عمرها. وكما المنظمات الفلسطينية كذلك نقاط التفتيش وأيضاً السلاح الذي يغيب عن مخيم ضبيه الموضوع تحت رقابة الدولة. فعدد كبير من السكان هو أصلاً من العسكر، «ويقوم فرع المعلومات واستخبارات الجيش بدوريات كثيرة، وخصوصاً في الليل». ويخبر أبو سعيد أن التجمعات ممنوعة، ويُلقى القبض مباشرة على من يخالف خوفاً من أي خرق. «فالدولة لا تريد لتجربة الحرب اللبنانية أن تتكرر، إذ دخلت حينذاك منظمات مسلحة من خارج المخيم لترسي مقولة سلاح الآخرين على أرضنا». وتلفت مصادر متابعة في الأونروا إلى أن المخيم يتميز بهدوء نسبي «لكنه لا يخلو من تجاذبات سياسية لبنانية لا تصل إلى أكثر من نقاشات حادة».
وبرغم تردد الكثيرين في الكلام، إلا أنك تتحسس نقمتين: الأولى على.. المخيمات الفلسطينية الأخرى، والثانية على «الأونروا». تقول سميرة التي رفضت البوح بكامل اسمها: «هم (الفلسطينيون في المخيمات الأخرى) يحصلون على حقوقهم وإلا يتسببون بمشاكل، فيما لا أحد يرد علينا»! وتعزو السبب إلى أنه «ما في رجال بتحكي بمخيم ضبيه والسكان غير موحدين». أما الأونروا فلكل من المسنين المجتمعين أمام مركز كاريتاس حكايته معها. فأبو سليم يروي كيف مرض حفيده في الليل واضطر لنقله إلى مستشفى رفيق الحريري البعيدة حيث هناك أسرّة خاصة باللاجئين، ورفضت الأونروا تسديد المبلغ بحجة عدم إتمام المعاملات فور دخوله. ويشرح أن الأونروا ألغت عقداً مع مستشفى الحايك القريب. ويقول أبو فادي: «لا استشفاء، وفي أحسن الحالات نقف في صف طويل زي الحمير ليسكتونا بحبتين بانادول ع الماشي». ويتحدث آخرون عن غياب الإعاشة متهمين الأونروا بسرقة جزء كبير من المساعدات. ويرد مسؤول الأونروا على هذه الاتهامات بالقول: «الأونروا تعتمد على المتبرعين وقد تقلصت مساعداتهم بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية والحسابات السياسية المستجدة تجاه الفلسطينيين. كذلك، إن الأموال باتت تتجه لغزة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة». وأكد أن المنظمة تؤمن الطبابة والاستشفاء والتنظيف.
الكهرباء وصلت إلى المخيم وكذلك الهاتف. أما المياه «فبالقطّارة»، توزعها شركة المياه في ضبيه على الشوارع بالتساوي عبر خزان يحدّ المخيم شرقاً. ويجري العمل على مشروع صرف صحي بعدما قدمت الحكومة الإيطالية الأموال اللازمة وتشرف الأونروا على تنفيذه.
الجمعيات في مخيم ضبيه «بالجملة»، لكنها لا تساعد مادياً، ما يجعل شكاوى السكان مستمرة بسبب عدم حل المشاكل الكبرى كالمياه والمنازل والأوضاع الاقتصادية والبطالة. وتقول مساعدة اجتماعية في كاريتاس: «كل شي فيه جمعيات وبعد بدنا». فالفقر يطاول القسم الأكبر من أهالي حي مار يوسف البرج ولا ينتمي إلى الطبقة المتوسطة إلا من يعمل في الخليج. ويلفت أحد المسافرين العائدين، إلى عرقلة سفر الفلسطينيين حديثاً «وما بيزمط إلا من لديه واسطة». والعمال المحليون إمّا في السلك العسكري وإمّا في البناء. أما المستوى التعليمي فيتحسن ويتوجه الطلاب إلى مدرسة خاصة في برج حمود ويتخرج عدد كبير من الجامعات كل عام.