ثلاثة مليارات ونصف مليون ليرة لبنانية قيمة جائزة اللوتو المنتظر أن يفوز بها سعيد حظ يظن كل شخص أنه سيكون هو، بدليل إقبال غير مسبوق على وسم البطاقات. إقبال يشي بميل عام إلى حلول سهلة لمشاكل ليست بالسهولة ذاتها
قبر شمون ــ عامر ملاعب
الساعة تشير إلى الثانية من بعد الظهر. ما زال مدخل إحدى المكتبات في بلدة قبرشمون (قضاء عاليه) يكتظ بالزبائن من الأهالي، الذين اصطفّوا بصبر بالغ ولوقت طويل منتظرين دورهم لشراء قسائم اليانصيب الوطني، ووسم بطاقات اللوتو اللبناني. حالة أشبه بالهستيريا أصابت أهالي الجبل من مختلف الأعمار والطبقات، فالجائزة قفزت فوق الثلاثة مليارات ونصف مليون ليرة.
«يا بنتي ادعيلي من قلبك إني اربح، ويكون وجهك الحلو خير علينا انشالله، هالمرة الجائزة الأولى محرزة»، هكذا يخاطب المواطن سعيد جوهر (73 عاماً) الموظفة ميساء ع. (21 عاماً) الواقفة خلف آلة وسم اللوتو، بوجهها الباسم، منذ الصباح.
مع تصنّع الضحكات، وهو لزوم العمل، تردّد ميساء روتينياً لكل زبون «مع زيد (لعبة إضافية هي كناية عن رقم متسلسل للبطاقات الموسومة) أو من دون زيد؟». وحالما يجيب تردف بالصوت الميكانيكي ذاته: «ما هي أرقامك المفضّلة؟ بسرعة لو سمحت». يتقدم زبون آخر وبيده شبكة من سحب سابق يريد تفحّص إن كانت قد «ربحت لها شي شغلة»، لكن الموظفة اللطيفة ترد بعد إدخالها بالآلة «للأسف، أرقامك خاسرة، هل تريد واحدة جديدة؟». يرن الهاتف: «ألو نعم، ما هي الأرقام؟ من اليمين أم من اليسار؟ حجزت لك هذه الأرقام لكن عليك المرور قبل الرابعة والنصف لتتسلّم شبكتك وتدفع ثمنها».
تصف ميساء هذه الهجمة غير المسبوقة على ألعاب الحظ بأنها «حالة غريبة لم أرَ مثيلاً لها»، مضيفة من باب الانتقاد: "رغم أنّي أعمل على قطع تذاكر اللوتو إلا أنني لن أدفع في حياتي ثمن تذكرة لي. فالاحتمال ضئيل جداً. كل زبون يطلب مني الدعاء له بالربح، فإذا ما استجاب الله لدعائي فمن أين نأتي بثمن الجوائز للجميع؟»، ثم تروي: «بعضهم (الزبائن) لا يفوّت سحباً دون شراء التذاكر أو وسمها. إنه هوس، لكنه يتحول ظاهرة مَرَضية في ظل الحالة الاقتصادية المتردية. ومن المؤسف أن نرى مجتمعنا تحوّل عاطلاً من العمل في انتظار ربح جائزة غير مضمونة. خلال يومي السحب (الاثنين والخميس) نقفل صندوقنا عند الثالثة، بينما لا تزال أعداد كبيرة من المواطنين منتظرة ولم يأتِ دورها، فيسارعون إلى بيروت لكون الصناديق في العاصمة تقفل عند الخامسة، والأسوأ من كل ذلك، أنّه منذ اعتماد مكتبتنا مركزاً لوسم بطاقات اللوتو منذ 3 أعوام لم يربح أيّ زبون عندنا».

مجتمع يتحول إلى عاطل من العمل بانتظار احتمال ربح جائزة
يقدم ربيع غنام (26 عاماً) إلى ميساء شبكة من سحب سابق، ويطالبها بإعادة ورقة الشبكة الخاسرة لكونه يحتفظ بها «لديّ هواية بجمع هذه الأوراق حتى إذا ما ربحت يوماً ما، أستطيع أن أقارن كم دفعت من مبالغ عبر الزمن». ويكرر «هذا إذا ربحت، لدي الآن مئات من الأوراق القديمة». ويفسح في المجال أمام أحد المسؤولين الأمنيين طالباً أرقام متسلسلة «لقد رأيتها في أحلامي، وأنا شبه متأكد أنّني سأربح هذه الجائزة». و«هل ستترك وظيفتك الرسمية إذا ربحت؟ ربما، ولكن لكل حادث حديث»، يقول.
ما يحصل في مكتبة قبرشمون هو ذاته في كل أماكن وسم بطاقات اللوتو في الجبل، ويؤكد سمير جابر (صاحب مكتب وسم بطاقات) أن «هذه الظاهرة تتكرر وتزداد معها مفاهيم الربح السريع دون تعب وعناء، والغريب أننا نرى بعض الزبائن يعلّقون آمالاً جدية على الربح، ما يجعلهم يتقاعسون عن الجديّة في العمل، لعدم تدخل الدولة في الحد من مثل هذه الظواهر السامة التي تفسد العمل والنشاط، الذي يبذله الإنسان لتحصيل لقمة عيشه بالجهد والعمل».
يعرّف سامر صعب عن نفسه بأنه مدمن اليانصيب وألعاب الحظ، ليقول: «ضاقت بعينكم شوية آمال ولحظات بيعيشها المواطن، على الأقل اتركوا لنا هذه اللحظات الحلوة، هناك ناس ربحوا هذه الجوائز وانقلبت حياتهم رأسهم على عقب. وما المانع من أن يعلق الناس آمالهم على جائزة تبلغ مليارات الليرات، مقابل شبكة لا يتجاوز ثمنها 2000 ليرة، دخيلكن ما يسمعكن السنيورة بيفرض ضريبة على «الأمل»، وبيمنع اللوتو».