رمضان في طرابلس هذه السنة غيره في بقية السنوات السابقة. فالاستعدادات القائمة له منذ أشهر تشير إلى أن شهر الصوم سيشهد هذا العام نشاطات لم تسلم من تسابق السياسيين على اغتنامها لأهدافهم
عبد الكافي الصمد
كشف المؤتمر الصحافي الذي عقده المشرفون على جمعية العزم والسعادة أمس، في قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي (قصر نوفل سابقاً)، للإعلان عن «مهرجان ليالي طرابلس» الذي ستنظمه الجمعية خلال شهر رمضان، مدى التجاذب والتسابق الدائر بين القوى السياسية في طرابلس، والذي وصل إلى حد استغلال المناسبات الدينية لتأكيد حضورها وترسيخها في وجه منافسيها، سواء كانوا حلفاء أو خصوماً.
فبعدما كشف اللقاء الذي عقدته النائبة بهية الحريري في طرابلس مطلع الشهر الجاري لإطلاق برنامج «مهرجان الليالي الرمضانية وعرس المدينة»، الذي سيقام في طرابلس بالتوازي أيضاً مع بيروت وصيدا والميناء وتنظّمه مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة، أن تنافساً مكتوماً يدور بين العزم والمستقبل لاستقطاب المواطنين خلال ذلك الشهر، لم يستطع القيّمون في الفريقين إخفاء خلفياته السياسية، تبيّن أمس أن هذا التباعد ترسّخ أكثر واتسعت دائرته لتشمل آخرين، برغم محاولة اتحاد بلديات الفيحاء الدخول على الخط لتوحيد هذه النشاطات في مهرجان موحد.
رئيس الاتحاد نادر غزال أعلن أن نشاطات المهرجان ستقام في 4 مواقع، هي: برج السباع في الميناء، معرض رشيد كرامي الدولي، جامعة المنار ومركز الصفدي الثقافي الرياضي، ما أعطى انطباعاً بأن القوى السياسية في طرابلس (الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي، تيار المستقبل، والوزير محمد الصفدي) فرضت نفسها على الواقع الموجود في المدينة، بما فيها النشاطات الرمضانية، وأن اتحاد البلديات أتى ليرعى هذا الواقع ويكرسه انقساماً واضحاً، من غير أن تفلح محاولاته إلا شكلاً في جعل هذه النشاطات مشتركة بين القوى المعنية.
أول معالم هذا الانقسام تمثل في غياب أي ممثل عن الأطراف الثلاثة في مؤتمر العزم أمس، على عكس ما كان حاصلاً عندما حضرت الحريري إلى طرابلس، وكذلك غياب رئيسي بلديتي الميناء والبداوي، الشريكين مع بلدية طرابلس في اتحاد بلديات الفيحاء، مقابل حضور رئيس بلدية القلمون رياض دنكر الذي يمثّل نقطة تقاطع بين ميقاتي والجماعة الإسلامية.
المسؤول الإعلامي في جمعية العزم والسعادة، مقبل ملك، حاول التقليل من الانطباع السائد بأن هناك تنافساً يدور مع المستقبل في هذا المجال، فأوضح لـ«الأخبار» أن ميقاتي «أوفد منذ يومين مسؤولين في الجمعية إلى صيدا، حيث التقوا النائبة الحريري ورتبوا معها إقامة نشاطات مشتركة في طرابلس، كذلك جرى تعديل برنامج مهرجان العزم حتى لا يتضارب مع بقية النشاطات».
إلا أن غزال، رغم تأكيده أن هذه المهرجانات «ستثري طرابلس وجوارها ثقافياً وفنياً واقتصادياً»، بدا مربكاً عندما طرح عليه سؤال عن مخاوف من أن يحاول كل طرف استقطاب مناصريه إلى نشاطاته وعدم مشاركته في نشاطات الآخرين، بشكل قد تبدو معه هذه النشاطات الدينية والفنية والثقافية والترفيهية، استفتاءً شعبياً ـــــ سياسياً لها في طرابلس، إذ ردّ بأن «هناك تعاوناً كاملاً بين الأطراف، ومشاركة إدارية ومالية في التنظيم، وأن لجنة موحدة ستشرف على النشاطات».
لكن النشاطات الرمضانية المرتقبة واجهت مشكلة أخرى، بعد إعلان 8 هيئات إسلامية طرابلسية تحفّظها على «تحويل ليالي رمضان المباركة إلى مهرجانات فنية وغنائية، واستضافة الغانيات والمطربات»، ما دفع ملك إلى الإعلان أن «جميع نشاطات الجمعية ستكون منسجمة مع أجواء رمضان»، وتوضيح غزال أنه سيلتقي إحدى هذه الهيئات اليوم لتوضيح الأمر.
هذا الجدال يتجدد كل سنة في طرابلس قبل مجيء رمضان وخلاله، بين مؤيد لهذه النشاطات وداعم لها، وبين متحفّظ عليها ويرفض المشاركة فيها، وصولاً إلى التنديد بها على منابر المساجد، ما يعكس تزايداً ملحوظاً في التشدد الديني في عاصمة الشمال.
مدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ـــــ الفرع الثالث الدكتور عاطف عطية، يقارب هذا الجدال من وجهة نظر أكاديمية، فيوضح لـ«الأخبار» أن «العلاقة بين الدين والمجتمع قائمة منذ وجود الاثنين»، معتبراً أنه «فيما يسعى رجال الدين والتيارات الدينية إلى تنظيم ممارسات المجتمع اليومية وفق الشرع، يأخذ المجتمع منه حاجته، فإذا كان المجتمع محافظاً يقترب من الدين أكثر، وإذا كان منفتحاً يأخذ منه مقدار ما يلائمه، وهذا ما يجعل التضارب بين المسألتين الدينية والمجتمعية حاصلاً في أي مجتمع».
لكن الداعية الشيخ إبراهيم الصالح الذي ينظر إلى الأمر من وجهة نظر دينية، لا يمانع في «وجود نشاطات تعكس الأجواء الاجتماعية في طرابلس خلال رمضان، أو تعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية فيها لجهة فتح المحال التجارية والمقاهي خلال الليل، فهذا نشاط فردي يهدف إلى كسب الرزق ولا يرفضه أحد، ويلبي حاجيات طبيعية تنشأ في أي مجتمع»، لكنه يبدي تحفّظه على «التسابق السياسي لكسب الشارع الطرابلسي في رمضان، عبر نشاطات لهو مخالفة لروح الشهر»، لافتاً إلى أن «هذه الجهات لا تعمل لتغيير وجه المدينة، ولا يهمّها ذلك أصلاً، بل تعمل كي يذاع بين الناس أنها موجودة، وأنها تضع نفسها وإمكاناتها في تصرفهم».
هذا الجدال لم يبق أسير أطره التقليدية، فمطلع الأسبوع الجاري أطلقت مجموعة شبابية على موقع الفايسبوك ما سمّته «الحملة الشبابية التضامنية الرافضة للمهرجانات الغنائية والطربية المشوّهة لليالي رمضان الربانية في طرابلس»، ما أعطى إشارة لافتة إلى أن الموضوع مقبل على مرحلة جديدة من النقاش والمقاربة.


طقوس رمضانية

طرأت خلال السنوات الأخيرة على طرابلس مظاهر غيّرت سلوك أهلها في رمضان، لجهة عصرنة الاحتفاء بالشهر وزيادة نسبة الاستهلاك في طقوسه. من تلك المظاهر الخيم الرمضانية بالطبع التي باتت تجمع عقب الأفطار الطرابلسيين والطرابلسيات حول الأراكيل و..الغناء. كما تراجعت الأجواء الرمضانية المعبرة التي كانت المدينة المشهورة بإسلام معتدل تتميّز بها، ولو أن بعض تلك التقاليد لا تزال تمارس كجولة «ليلة الوداع» التي يطوف فيها المسحراتية على بيوت المؤمنين جامعين ما يشبه أجرهم، في جوقة من حملة الرق والطبول والشموع.