ريتا بولس شهوان«أغنية» السير، التي كتبها الفنان الراحل فيلمون وهبي ولحّنها، تجد طريقها فجأةً إلى ألسنة السائقين المحتجزين في زحمة سير جونية الخانقة والمزمنة. ببساطة، لا شيء غير «جانح طير» يستطيع إيصال الناس إلى مقاصدهم. هكذا، تنطلق «السيمفونية» المعتادة من «زمامير الغضب» التي يبدأها أحد السائقين، فيسانده «شوفير» السرفيس عن يمينه، الذي يحاول الخروج من خط سيارات متراصّة الواحدة خلف الأخرى مثل النمل.
هنا، على الأوتوستراد، الجميع يتشاركون الانتظار. يسألون بعضهم بعضاً عن سبب الزحمة الممتدة من نهر الكلب وصولاً إلى مفرق غزير انتهاءً بطبرجا. في جونية، أصبحت الزحمة من معالم المدينة، حيث يخيّل لـ«العالق» وسطها، أنّه ليس بإمكان قرار صادر أو سيصدر عن وزير الداخلية، حلّها أو ربطها.
يعتمد طوني حنا العائد إلى بيروت سوق جونية الأثري، طريقاً بديلاً عن الطريق الرئيسي، على خلفية «إلّا ما نزمط بريشنا من عجقة أكبر على الأوتوستراد»، وإن كان السوق لا يتسع إلّا لسيارة واحدة. أما باتريسيا ضاهر التي تقطن في منطقة غادير في جونية، فترى أنّ الزحمة لا تنتهي إلّا عند بداية شارع الكسليك. وهي كغيرها من سكان المدينة، كانت تتجنّب المرور في جونية صباحاً لكثرة سيارات أصحاب المعاملات في السرايا، المركونة عند يمين الطريق ويساره. أمّا في الصيف، فتختلف الأمور، في رأيها، إذ لا ساعة محدّدة لخروج السيّاح، زوّار المسابح و«المزوربين»، لذا تختار باتريسيا التبضّع من دكاكين صغيرة ضمن الأحياء. لا يختلف الوضع في الكسليك والطريق البحرية المواجهة للمرفأ السياحي، فالزحمة هي نفسها. أمّا طرق زوق مكايل، وزوق مصبح (طلعة يسوع الملك)، منفذ الآتي من بيروت، فتصل الساحل بالجبل، وروّادها من المصطافين الذين يتضاعف عددهم في هذا الموسم. مع تبدّل المعالم الديموغرافية خلال الحرب اللبنانية إثر لجوء الناس إلى كسروان الآمنة، لم تعد الموارد الخدماتيّة للمدينة، من مياه وكهرباء وطرقات، تكفي حاجات سكان هذه الرقعة الجغرافية. فالاكتظاظ في الأعداد يستتبعه فائض في أدوات النقل الخاص، باعتبار أنّ الخط الحديدي الذي كان يربط الشبكة السياحية كازينو لبنان وجعيتا وجونية ببيروت أصبح من الذاكرة. هكذا، ضُربت شبكة المواصلات في المنطقة، وفاضت السيارات كما تفيض مياه الصرف الصحي في فصل الشتاء، على أوتوستراد عُبّد قبل عام 1980، وأُجّل توسيعه بسبب الأحداث اللبنانية، وإضافة ثلاثة خطوط جديدة إلى الثلاثة الحالية عند مدخل بيروت الشمالي، الذي ينتهي بطبرجا. ألغي المشروع، علماً بأنّه كان سيكفي حاجات أبناء كسروان، ولبنان حتى عام 2010.