«الضهور» عروساً للمصايف بعد غيابضهور الشوير ــ أليسار كرم
«هلأ مش متل قبل». عبارة تتكرر على ألسنة أبناء بلدة الشوير، المعروفة بضهور الشوير. وهم المنهمكون بإنعاش موسمهم السياحي باحتفالات تليق بالـ«عروس». يشددون على أن بلدتهم كانت وما زالت تستحق هذه الصفة رغم الركود الذي أصاب الحركة السياحية فيها بعد الحرب اللبنانية. فالبلدة المتنية التي كانت مقراً لأمراء الشبانية والتي يروي العديد من أبنائها كيف استقبلت في رحابها الملك فاروق والفنان محمد عبد الوهاب «أيام العز»، تستعيد اليوم بريقها السياحي بجهود الشويريين «المشتاقين للعمل بفرح».
لا تهدأ ساحة ضهور الشوير التي تشهد ورشة ترميم للقصر البلدي على مدى ساعات النهار. مطاعمها وفنادقها شرّعت أبوابها من جديد وقطار الكرنفال الملون يقف بجانب المستديرة منتظراً الركاب، صغاراً وكباراً، ليقلهم إلى أماكن الاحتفالات. حركة سير ناشطة وإقفال طرقات، وفرح بعودة «العروس».
يتنفس عادل عون الصعداء، وهو الذي يشارك بالإعداد للمهرجان الذي أصبح تقليداً سنوياً منذ عام 1962. ويقول بفرح: «بعد سنوات من الإجحاف بحق القرية بسبب ظروف سياسية ومشاكل إنمائية نتوق إلى إنعاش الحياة وإعادتها إلى سابق عهدها». يرفض عون الدخول في تفاصيل المشاكل، ويتجنب تسمية «المجحفين» بحق البلدة، مصراً على «أننا في مرحلة مختلفة، ومن الآن وصاعداً سيكون للعمل فاعلية وتأثير إيجابي؛ لأن المصالح والحسابات الشخصية لن تدخل فيه وتخربه».
أما دينا نصر، عضو بلدية الشوير ـــــ عين السنديانة، فرأت أن حماسة أهل البلدة ومشاركتهم بالعمل هما أساس نجاح المهرجان. وتقول: «الجميع يسعون إلى إعادة الشوير محط الأنظار بعد غياب البرامج الإنمائية وافتقار البلدية إلى دعم الدولة، لذلك اتكلنا كثيراً على الهبات لتمويل نشاطاتنا».
لا تقتصر المشاركة في الإعداد للنشاطات على القاطنين في الشوير. فلأبناء الشوير في الخارج حصة أيضاً في التحضيرات. ومن خارج لبنان، حيث يعيش أكثر من 50% من الشويريين، يشارك نبيل خنيصر بالترويج للمهرجانات وإعلان التطورات المتعلقة ببرنامج الاحتفالات من خلال موقع إلكتروني خاص استحدثه منذ سنوات، إضافة إلى مجموعة خاصة ببلدة الشوير على الـ«فايسبوك». يلاحق أدق التفاصيل من بيته في الولايات المتحدة الأميركية كأنه في «الضيعة» كما يقول، ويضيف: «بعدما اكتظت بيروت بالحجوزات، لا بد لضهور الشوير من انتهاز الفرصة لاسترجاع مكانتها وجذب السياح إليها وأنا جاهز للإسهام بإنعاش الحياة في بلدتي، ولو أصبحتُ أميركياً أيضاً».
هذه الاستعدادات والمهرجانات التي تأتي بعد طول غياب، حثّت البلديات على القيام ببعض النشاطات التي تعيد إليها الوهج. وفي هذا الإطار، تسعى «البلدية إلى شق طرقات داخل الغابات التي تزنّر القرية كي يتمتع هواة رياضة المشي بالسير بين الأشجار الغضّة إلى جانب العائلات والأصدقاء»، كما يشرح رئيس بلدية الشوير ـــــ عين السنديانة إلياس أبو صعب. ويضيف في حديث إلى «الأخبار»: «بعدما أنجزنا الأمور الأساسية المتعلقة بتوفير الكهرباء والماء بسرعة، وخفضنا كلفة الاشتراك بمولدات الكهرباء، أصبح من الممكن إنارة كل الشوارع، إضافة إلى الطرقات المستحدثة. واليوم بات ممكناً أن نعيد شق الطرقات التي كان يسلكها «المكارية» في الأحراج وبين أشجار الصنوبر لعلمنا أنها بعيدة عن الصخب والضجيج». ويشير أبو صعب إلى «التعاون والتنسيق الذي نجريه مع الجيش اللبناني وفوج المغاوير للمساعدة على شق الطرقات بالطريقة المناسبة»، مجدداً التأكيد أن «الارتكاز هو بالدرجة الأولى على المبادرات الفردية وتطوع أبناء القرية الذين تحمسوا وقدموا أموالهم الخاصة أو أسهموا ميدانياً بتنفيذ الأعمال». ولفت إلى «أن البلدية لم ولن تقصّر بتقديم الدعم لكل من يحتاج إليه كي يعيد فتح محل تجاري هنا أو مطعم هناك أو ليطور خدمات الفنادق أو يجمّل واجهة بيته المطل على الطريق العام».
أبناء القرى المجاورة مثل زرعون وبولونيا والخنشارة والدوار وجدوا في ضهور الشوير فرص عمل للصيف. هكذا وجد شادي في أحد مطاعم الضهور عملاً يستأنس به. ينهمك الشاب بعمله، ولا يكاد يجيب عن أسئلتنا، حتى يشير بيده إلى طاولتين متلاصقتين، قائلاً: «سأذهب لألبي طلب العائلة هناك، هم من أبناء القرية المغتربين، وقد أتوا من فرنسا». أما أبناء قرية عين السنديانة، الواقعة ضمن النطاق البلدي للشوير، فيرون أن قريتهم ستنتعش أيضاً مع وجود برنامج سياحي يلحظ وجودها. «إحدى الحفلات ستقام في عين السنديانة»، تقول رين قربان بزهو. الشابة التي تعيش في جديدة المتن تؤكد أنها أصبحت تزور القرية نهاية كل أسبوع، وتقول: «منذ بدء برنامج الاحتفالات، صرت أجد حافزاً لزيارة القرية. كذلك فإنني أدعو أصدقائي لزيارتها وتمضية عطلة نهاية الأسبوع في ضيافتنا». تضيف رين: «معظم الأصدقاء تعرفوا إلى القرية من خلال الأحاديث التي يتناقلها أهلهم، لذلك يتحمسون للمجيء والتعرّف إليها عن كثب واكتشاف مميزاتها».
يُذكر أن «عروس المصايف» يعود الأصل في تسميتها إلى كلمة «شوير» السريانيّة وتعني الشفير أو الحافة العالية، وقد أضيفت إليها لاحقاً كلمة الضهور وصار اسمها يعني مضرب الرياح، وهي تتزين بأشجار الصنوبر وتغري زوارها بعطور الورد والياسمين العابق من شرفات المنازل. الهواء الذي يتنشقه سكانها «أحسن من أي دوا للأعصاب» يقولون. فمع ارتفاعها نحو 1200 م عن سطح البحر، وابتعادها نحو 27 كلم عن العاصمة بيروت، تمنح جواً مثالياً للاصطياف وتجذب الهاربين من غبار المدينة والباحثين عن سياحة من نوع آخر.


عدوى «غينيس»