عكار ــ روبير عبد اللهمنذ يومين قتل ثلاثة أشخاص في حادثين مروّعين بالقرب من منطقة العبدة. أحدهم رجل مسن من مخيم نهر البارد، وطفلتان صغيرتان من فقراء المزارعين في عكار. غداة الحادثين المأساويين اللذين يحصل مثلهما الكثير على طرقات عكار، كان من المتوقع خروج تحركات احتجاجية تدين الاستهتار المتمادي بأرواح الأبرياء. لم يحصل شيء من ذلك، بل كادت أن تسجل الحوادث تحت خانة القضاء والقدر. فالسيارة التي سبّبت وفاة الفتاتين سيارة عسكرية، ورغم تقطّع أوصالهما بسبب سرعة السيارة، فضّل أهل الضحايا، ربما لـ«حبهم» للقوى العسكرية و«إيمانهم» بالعدالة في هذه البلاد، العضّ على الجرح وكتم الألم. الاحتجاجات لم تخرج، أي موقف يستنكر الحادث لم يصدر، ولم يعثر على أي لافتة تندد أو تستنكر الفجيعة. لعلها ميتة الفقير التي لا تثير وجداناً أو تهز مشاعر. فالضحايا ببساطة هم من فقراء المزارعين في عكار ومن فلسطينيي البارد. لو اقتصر الأمر على هذا المشهد، لما كان هذا الأخير قد اكتمل حقاً، لكن للصورة تتمة. فقد تزوّج كاظم الخير، سعادة نائب المنية ـــــ الضنية، فعمّت الفرحة عموم القرى. فجأة امتلأت الطرقات من المنية حتى العبدة، منطقته الانتخابية، بلافتات تعبّر عن بهجة الناس وسرورهم بهذا الحدث الكبير، ولو كان أمراً خاصاً. لافتات يبدو من خلالها أن زواج سعادته كان خلف عودة الكهرباء لتعمّ المنطقة 24 على 24 أو أن مواسم المزارعين لاقت التصريف والرواج. وإن كان مفهوماً أن تقوم جمعية آل الخير بالمباركة، فما دخل مفوضية كشاف المنية، وجمعية الفكر والحياة، وجمعية التوعية والعمل الخيري، وتيار المستقبل أيضاً، حتى تتفتّق إبداعاتهم عن لافتات تتنافس في توصيف المأثرة، واحدة تبارك وأخرى تدعو بالرفاه والبنين وثالثة تهنئ بالعودة من السفر؟
هكذا، يبدو أن مناطق عكار والمنية ـــــ الضنية اليائسة من مؤسسات الدولة، ما عاد لها من باب للرزق إلا أبواب «أولي الأمر»، وباتت الجمعيات الأهلية غير مفهومة الأهداف، والنوادي «غير الرياضية» تنبت مثل الفطر على موائد أهل الخير. وربما كان وجودها حول تلك الموائد، وعدم تحركها لرفع لافتات تندد بالاستهتار بالسلامة العامة، التي قتلت الضحايا الثلاثة، تلخيصاً للأهداف الحقيقية من خلف إنشائها.