كنائس... وبارات
الأب إبراهيم سروج

استوقفني أحد الوراقين، أنا القسيس، ليريني العدد الأخير من مجلة «نيوزويك» الصادر في 12 شباط 2007، ويفتحه لي على الصفحة الواحدة والخمسين حتى أشاهد الكنائس كيف تتحول الى بارات ومحال لبيع البيتزا وغيرها. أخذت المقال فإذا عنوانه «إعادة تشكيل الكنائس»، ومن ثم يأتي عنوان فرعي يشرح السبب فيقول: بما ان العبادة الأوروبية تسرع بالانحدار باطراد، هُجرت مبانٍ قديمة كبيرة، فماذا يحل بها؟ حتى إن عنوان الغلاف الأول يؤكد الأمر نفسه: «يا إلهي لماذا تتحول الكنائس الأوروبية الى ملاعب ومحال بيتزا وبارات؟
يبدأ الكاتب وليم اندرهل مقاله بأن مجلس مدينة في إنكلترة قد وافق على تحويل كنيسة ميتودستية مهجورة الى جامع، إذ ان أوروبا التي تزداد في علمنتها ودنيويتها يقلّ رواد الكنائس فيها، بينما الجماعات الاسلامية المصلية والجياشة، تحتاج الى أماكن إضافية للعبادة.
ثم يضيف: أعلنت الكنيسة الأنجليكانية أن 1600 كنيسة من مجمل كنائس إنكلترة، أي عشر كنائسها، تعتبر فائضة، وانه بعد عدة عقود سيتفوق الممارسون المسلمون عددياً على إخوانهم المسيحيين. وقال: إذا كان على الأبنية ان تبقى، فعلينا ان نجد لها استعمالاً جديداً. وإذا كان بعضها قد تحول الى مساجد ومعابد للسيخ، فكثير غيرها تحول الى مقاهٍ ومسارح ومستودعات. الأمر نفسه يحصل في أوروبا، حيث يقل رواد الكنائس حتى من الكاثوليك. ففي فرنسا أقل من 5 في المئة من الكاثوليك يحضرون قداديس الأحد بانتظام، وفي جمهورية تشيكيا 3 في المئة، والموقف من الكنائس المهجورة لا يتغير فقط بين المسؤولين في الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية، بل أيضاً يختلف من بلد الى آخر.
القانون في فرنسا وألمانيا، يحمي الأبنية الكنسية والكاتدرائيات، أما في بعض الأبرشيات حيث يقل عدد المصلين، فهم مجبرون على أن يدفعوا صيانة غالية لأمكنة مهجورة، أو أن يهدموها أو أن يجدوا لها استعمالاً آخر. ففي إسن ــ ألمانيا حوالى مئة كنيسة معدة للإغلاق أو لإعادة الاستعمال. بالنسبة إلى الأجيال الطالعة التي نادراً ما وضعت رجلها في كنيسة، يهمها الحفاظ على الأبنية أكثر من المحافظة على الإيمان.
ويعدّد الكاتب الكنائس التي تحولت الى مسارح وبارات ومطاعم، ومنها ما يعود الى القرون الوسطى. لا أحد يرى عيباً في هذا التحول، ولكنه من جهة ثانية يشير الى ان بعضاً في برلين يرون في هذا التغيير إهانة ويفضّلون الهدم على ان تستعمل لأغراض دنيوية. ويذكر ان طلاباً في براغ تظاهروا في الشوارع ضد الحكومة التي باعت كنيسة القديس ميخائيل، القائمة في وسط براغ القديمة وتعود الى القرن الثاني عشر، وبيعت الى شركة خاصة تقيم فيها حفلات تعرٍّ وتصدح فيها موسيقى صاخبة (تكنو). ثم يشير الى ان أحد المعارضين لتحويل الكنائس، أنشأ موقعاً إلكترونياً، ليقول إن أمر التحويل ليس جديداً، ففي القرن الثامن عشر أغلقت الامبراطورية النمساوية الكثير من الكنائس التي قل روادها للحد من سلطان الكنيسة الكاثوليكية، وإن الثورة الفرنسية هدمت أيضاً الكثير من الكنائس الكاثوليكية. منذ 1990 والناس في جمهورية تشيكيا، يحتارون في مآل ألف كنيسة قل استعمالها، نصفها مضطرون إلى أخذ قرار في شأنه، وتفضّل الدولة ان تحوّل ملكيتها لسلطات محلية تستعملها مراكز ثقافية من دون ان تستثني بيعها. وأصدرت الجمهورية نفسها كتاباً عن الأمكنة الأثرية، تذكر فيه 700 أثر، بينها أكثر من 200 دير وكنيسة شديدي الاحتياج إلى الترميم وكثير منها معروض للبيع.
وأخيراً يشير كاتب المقال الى صورة معاكسة في روسيا، حيث بنيت أحد عشر ألف كنيسة جديدة منذ انهيار الحكم الشيوعي، والى ان كنائس كثيرة تبنى في العالم الأرثوذكسي ويعاد ترميمها. وفي بولندة تهجر الكنائس القديمة لمصلحة كنائس جديدة أوسع. وتكملة لهذه الصورة الأخيرة، نشير الى ان وكالة إنترفاكس أظهرت ان هناك إحصاءات أكدت تدنّياً في عدد الملحدين في روسيا لمصلحة الأرثوذكسية والإسلام. ففي مقارنة مع إحصاء مماثل قبل 15 سنة، ظهر ان عدد الملحدين صار نصف ما كان عليه، وتشير الإحصاءات أيضاً الى انه في العشرين سنة الماضية من 1986ــ2006، تضاعف عدد الكنائس في روسيا أربع مرات، من 6800 كنيسة و18 ديراً إلى 27000 كنيسة و680 ديراً. وقد ازداد عدد الكهنة والرهبان بالنسبة نفسها فصار في موسكو وحدها 1700 كاهن وشمّاس.
نشكر الله أن موضوعاً مثل هذا غير مطروح في ديارنا، لا في الإسلام ولا في المسيحية، ولكن نشير الى ان بعض كنائس الروم في مصر تباع للإخوة الأقباط. فنأمل من المعنيين، شرقاً وغرباً، ان ينتبهوا الى هذا الوضع الخطير ليتداركوه بالحكمة والرعاية الحسنة.