خالد صاغية «المعتدلون العرب» معتدلون تعريفاً. لكنّهم غير معتدلين في نظرتهم إلى إيران، لأنّ الأخيرة، برأيهم، تريد إلغاء الاعتدال في العالم العربي عبر إقامة «هلال شيعي» يقسّم المنطقة تبعاً للمذاهب. وهم غير معتدلين في نظرتهم إلى قسم من مواطنيهم الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعيّة، لأنّ هؤلاء الأخيرين، برأيهم، مجرّد «جاليات» في الوطن العربي يسعون لنصرة دولة إيران غير المعتدلة. وهم غير معتدلين في نظرتهم إلى الإسلاميّين، لأنّ هؤلاء، برأيهم، ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض على الاعتدال في المجتمع. وهم غير معتدلين في نظرتهم إلى الحركات المقاومة لأنّ المقاومين غير معتدلين في نظرتهم إلى الصراع العربي الإسرائيلي. وهم غير معتدلين في نظرتهم إلى سوريا، لأنّ الأخيرة تدعم المقاومة ولا تشجّع على الاعتدال. وهم غير معتدلين في نظرتهم إلى الاعتدال الأوروبي الذي بدأ بالانفتاح على سوريا. لكن، رغم ذلك، «المعتدلون العرب»، تعريفاً، معتدلون.
على المقلب الآخر، ثمّة دولة تُدعى سوريا. لا تدّعي الدولة الاعتدال، ولا عُرف عن نظامها ذلك أصلاً، لا اليوم ولا قبل أربعين عاماً. فُرضت عليها العزلة نتيجة ابتعادها عن محور الاعتدال، وتبدو علاقتها بجيرانها اليوم كالآتي: إيران دولة صديقة، يسعى الفرنسيّون لإقناع سوريا بالتوسّط لديها لحثّها على معالجة ملفّها النووي. تركيا، هي الأخرى دولة صديقة، تؤدّي دور الوسيط في مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل. لم تمانع سوريا في مفاوضة إسرائيل، من دون أن تتخلّى عن نقاط قوّتها في هذه المفاوضات. أمّا العراق، الذي كان في حال قطيعة تامّة مع سوريا استمرّت سنوات طويلة، فأصبح يرسل موفدين يطلبون تدخّلاً سوريّاً للمساعدة في إحلال الأمن في بلاد ما بين النهرين. وفي لبنان، انسحب الجيش السوري، ورغم كل تجاوزات ذاك الجيش في المرحلة السابقة، لبنان كلّه ينادي بعلاقات مميّزة، شرط أن تكون ندّيّة. والمغالون في عدائهم لسوريا ليسوا في وضع سياسي وشعبي يُحسَدون عليه.
قد يختلط الأمر على المشاهد. قد تبدو سوريا اليوم في موقع الاعتدال. قد يكون ذلك وليد سياسات سوريا نفسها، وقد لا يكون، لكنّه بالتأكيد نتيجة السياسات الطائشة لمحور «الاعتدال».