خالد صاغيةاحتفالاً بالعيد الـ85 للحزب الشيوعي اللبناني، بدأت تسود بين مناصري الحزب وأصدقائه نبرة خطيرة في التعاطي مع المناسبة. نبرة تتراوح بين الإصرار على «رومانسيّة» المناسبة، وإبداء التعاطف، وتحوُّل إعلان التأييد إلى نكران للواقع. وهذه نبرة خطيرة لأنّها بالضبط ما لا يحتاج إليه الحزب الشيوعي كي يجدّد شبابه.
فبعض المحتفلين يصوغون التفافهم حول الحزب بمنطق التعاطف على طريقة «يا حرام». هكذا يكفّ الحزب الشيوعي عن كونه حزب الكادحين ليصبح، بالنسبة إليهم، هو «الكادحين» أنفسهم. وتصبح مشاركة الحزب أفراحه نوعاً من الوقوف إلى جانب المصابين بمصاب أليم، أو واجباً اجتماعياً كما يزور أهلُ القرى المحزونين خلال مواسم الأعياد الدينيّة.
وثمّة في الحزب من يستسيغ ذلك، ما دام ممكناً التقاط صورة تذكاريّة للمناسبة. فيكثر الحديث عن التآمر والمؤامرات على الحزب الشيوعي استدراراً لمزيد من التعاطف، بدلاً من البحث عن سبل الخروج من المأزق.
«الرومانسيّون» من بين المحتفلين ليسوا تماماً كـ«المتعاطفين». الرومانسيّون متحمّسون للاحتفال بعيد الحزب، لكن كحدث خارج السياسة. يصبح الحزب الشيوعي وشعار «غيِّر بالأحمر» نوعاً من الفولكلور، لا علاقة له بالتغيير المستعصي في هذه البلاد، ولا بالعمل الحزبي المنخرط في الحياة السياسية. كأنّ ثمّة سيّاحاً قادمين إلى البلاد، وهناك من يصطحبهم إلى مغارة جعيتا، ويدلّهم في الطريق على مَعْلَم في شارع الوتوات حيث المقرّ الرئيسي للحزب الشيوعي اللبناني. «شيوعي، والله؟... Cool!».
وثمّة في الحزب من يستسيغ هذه النظرة الرومانسية، لعلّها تنجح في «شدّ» عضو أو عضوين جديدين.
الأكثر جدّيّة بين المحتفلين مدركون للمأزق. لكن إذا استثنينا قلّة من المواقف، نرى أنّ كثيرين يواجهون واقع المجتمع وواقع الحزب بالعناد العقيم. يواجهون العجز بادّعاء امتلاك الإجابات عن كلّ الأسئلة. هذه الظاهرة تبقى هيّنة على المستوى السياسي (وإن أدّت إلى كارثة في الانتخابات الأخيرة)، وعلى المستوى النظري (وإن أدّت إلى تنظير هو أقرب إلى التمنّيات)، مقارنةً بخطورة تبنّيها على المستوى الاجتماعي. فبالنسبة إلى هؤلاء، يصبح انحسار اليسار سببُه التخلّف الاجتماعي الذي يدفع الناس إلى الهجرة من أحزاب اليسار إلى أحزاب أخرى. والتخلّف نفسه هو الذي يقف وراء الصعود الديني. والتخلّف نفسه هو الذي يعلي الشأن الطائفي على الطبقي... إلخ.
كنّا نحسب أنّ آفة الشيوعيّين هي إيمانهم بعجلة التاريخ وحتميّته، وإذا بهم يدهشوننا بالقوّة السحريّة التي ينسبونها إلى التخلّف.