عمّار ديّوبهذا الخبر الذي يتأكد كل يوم. سيُثير بدون شك خلافات ونقاشات، وربما اتهامات وتكفيراً من أطراف سياسية عدة في سوريا. وسيكون رأي النظام السوري: إن هؤلاء الشرفاء أتوا إلى سوريا، لأنّ النظام السوري ينصف المقاومين ولا يعادي الشرفاء غير المتعاونين مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وإنّه على حق، ووطنيته لا غبار عليها، بينما كل معارضيه في لبنان وسوريا على باطل، وربما متعاونون مع الولايات المتحدة الأميركية. وسيكون رأي أقلام في المعارضة السورية (ديموقراطيون وعلمانيون وإسلاميون)، أن سمير وزياد وقعا في مطب الانتهازية والتضحية بمصالح الشعب السوري، ولا سيما لجهة الحريات والديموقراطية، ولا يهمهما المفقودين والسجناء اللبنانيين في سوريا، وهما يعطيانه مبررات جديدة، كي يزيد من قمعه، وتسلطه على ذلك الشعب المقموع والخائف والأسير. وبالتالي أصبح الرجلان ورقة بيد النظام السوري، وطبعاً سيشنّع آخرون بهما بأكثر مما أتوقع كما علّمونا.
في لبنان ستكون هناك آراء، تنطلق من الرؤية نفسها، وستتكرّر هذه الأفكار نفسها، وستكون من مثقفي 14 آذار و8 آذار، باعتبارهم أصحاب مصلحة في تأبيد أدوارهم السياسية ومصالحهم، ويخافون على أنفسهم من المستقبل غير المستقر.
أما برأيي المتواضع، فإن سمير قنطار لا يأتي إلى سوريا كي يبيع مواقف تاريخية، ولا كي يشتري مقابل ذلك شيئاً. فهو يحاول أن يشق لنفسه طريقاً، يعزز نهج المقاومة، والتصالح بين سوريا ولبنان (كما يفعل ميشال عون).
إلا أنّه يقع في الخطأ، فالنظام السوري كان في لبنان لأسباب كثيرة ومن أجل تأبيد سيطرته في سوريا، كسببٍ رئيسي. وليست لديه، فوق طاولاته أو تحتها، ورقة المقاومة، وهو يخوض طريق المفاوضات منذ عقود، كي يحصّل دون أدنى شك أراضيه المحتلة بأقل التكاليف، وبأكثر المحاصيل. وبالتالي فإن دعمه للمقاومة، وهو يطرح ذلك بدون توقف، يأتي في سياق رفع أسهمه في المفاوضات. ولذلك فمن يرد السير بطريق المقاومة فعليه أن يستقل بذاته، ويعزز صلاته بالمجتمع، وأن يرتّب أولوياته من أجل برنامج نضالي هدفه التحرير والحرية، بعيداً عن الارتهان لسياسات الأنظمة العربية وحساباتها التي طالما مارست السياسة من بوابة مصالحها الخاصة وتأبيد سيطرتها الطبقية التي تتعارض مع التحرير أو دعم المقاومة، إلّا بما يدعم تلك السيطرة، وهذا أمر أكثر من طبيعي.
وهنا، لا أكفّر سمير أو زياد، ولا نقّاد الاثنين، بل أحاول تحليل هذا الإشكال، الذي برز حين أتت السيدة فيروز قبل أشهر إلى دمشق، ولا يزال يتكرر بحدة مع مجيء كل ضيف لزيارة سوريا.
النظام السوري بدوره، عليه أن يعي أن الاستفادة من المناضلين المقاومين والمثقفين الناقدين يجب أن لا تكون عبر مسخهم وتسخيفهم.
زياد بمجيئه إلى سوريا، وهو الذي رفض المجيء سابقاً إليها، يثبت ما قيل عنه بخصوص الاقتراب من 8 آذار، رغم أنّه ينتقد الجماعتين، وإن كان يخص 14 آذار بنقد مميز.
سيأتي زياد حصراً كموسيقي ومسرحي ورجل ثقافة، وبالتالي سيأتي من زاوية الأدب. ولا يغيّر من حقيقة المسألة، إذ كانت أمسياته تندرج في دائرة احتفالات دمشق كعاصمة للثقافة العربية. ففي سوريا، له جمهور ومعجبون ومحبون كثر، ربما أكثر من كل فناني لبنان ومثقفيه المعروفين جداً في سوريا! وحتى من فناني سوريا ومثقفيها!
سمير وزياد علمان من لبنان، وأن يزورا سوريا، فهذا حق طبيعي لهما. ولكن ما هو غير طبيعي، ويصنّف في خانة التحالفات، إطلاق المواقف السياسية المؤيدة للنظام أو المعارضة له. فهل ينجح زياد وسمير في الحفاظ على الذات، كما لم يستطع آخرون، ويُفشلوا رهان القوى، معارضةً وسلطةً، من دون أن يصبحا ملكين أو شيطانين؟