انطوان سعد
أكثر ما يخشاه البطريرك الماروني نصر الله صفير بعد “وقف الأعمال الحربية” هو الانعكاسات على الداخل اللبناني على مستوى العلاقات بين الطوائف والأحزاب السياسية. وقد بدت بواكير هذه المرحلة مقلقة جداً، خصوصاً بعد بروز خلاف عميق على كيفية التعاطي مع سلاح حزب الله كما ينص عليه القرار الدولي 1701، أدى إلى إرجاء عقد جلسة مجلس الوزراء المقررة مساء الأحد الماضي، وإلى رفع مستوى التوتر في البلاد.
لم يخف سيد بكركي يوماً موقفه الرافض لسلاح حزب الله، قبل صدور القرار 1559 وبعده. وكان أول من طالب بنزعه غداة انسحاب إسرائيل في الرابع والعشرين من أيار سنة ألفين. فبالنسبة إليه، هو المؤمن بالدولة المدنية بمعناها الكلاسيكي، لا يمكن أن تقوم دولة في ظل وجود مجموعة لبنانية مسلحة أياً تكن الموجبات والأسباب.
وسيبقى امتلاك حزب الله للسلاح أمراً شاذاً بنظره، يحول دون عودة الاستقرار والازدهار اللذين يتوق إليهما اللبنانيون. وسيظل سيد بكركي ينادي، كما نادى مراراً في لبنان وخارجه وبخاصة في الولايات المتحدة، بنزع هذا السلاح إلى أن يتم ذلك. وهو، في الواقع، يتمنى أن “يعير حزب الله اهتماماً لمعاناة اللبنانيين ولرغبتهم في أن يعيشوا بسلام، وفي تجنيب لبنان تداعيات الحروب الإقليمية بعدما تحمل وزرها مراراً وتكراراً”.
ومن يعرف البطريرك صفير ويستمع إلى كلام الأمين العام لحــــزب الله السيد حسن نصر الله مساء أمـــــس، بإمكانه أن يتوقع أن يزيد مثل هذا الكلام من قـــــلق سيد بكركي لأن معناه يشير إلى تمسك الحزب بسلاحه وإلى أن الأمور لا تزال على ما كانت عليه عشية الثاني عشر من تموز، على رغم فداحة الخسائر التي حلّت بلبنان وشعبه واقتصاده.
غير أن البطريرك صفير لم يقل يوماً بنزع سلاح حزب الله بالقوة، لا من جانب الجيش اللبناني ولا من سواه. وهو يرى أن ثمة إمكانية لتحقيق ذلك بممارسة الولايات المتحدة خصوصاً والأسرة الدولية عموماً، الضغوط على إسرائيل لحملها على إطلاق المعتقلين اللبنانيين لديها والانسحاب من مزارع شبعا، من جهة، وبممارسة ضغوط أخرى على سوريا وإيران لحملهما على التدخل لدى حزب الله وإقناعه بالتخلّي عن سلاحه، أو حملهما على وقف دعمهما المادي والعسكري للحزب، من جهة ثانية. وإذا كان البعض يعدّ موقفـــــــــــــه نظرياً وغير ممكن، فهو يجيب بأنـــــه يتـــــمسك بسلاح الموقـــــــف وقـــــول الحق ويقـــــــــوم بدوره كرجل دين ومــــواطن وقـــــــائد، ويـــــــعطي رأيه ولا يـــــــفرضه، تاركاً للناس أن تُحكّم عقولها وتحكم على تصرفات الســــياسيين وتحاسبهم إذا اقتنــــــعوا بــــرأيه.
كما أن ســـــيد بكركي يصرّ في مجالسه الــــــخاصة والعـــــــامة على “ضرورة ألا تشعر الطائفة الشيعية في لبنان بأن نزع سلاح حزب الله موجّه ضدها وضــــد دورهــــــا وديناميكيتها في التركيبة اللبــــــنانية”.
وينسجم بطريرك الموارنة في موقفه مع التوجهات العامة للفاتيكان الذي لا يقف متفرجاً حيال ما يجري. وقد أوفد البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان الكاردينال روجيه إتشيغاراي، الرئيس السابق للمجلس الحبري "عدالة وسلام” للإعلان عن تضامن الكرسي الرسولي مع لبنان ومعاناته، والمساهمة في تقريب المسافات بين مختلف الأطراف.
ويُعدّ الكاردينال إتشيغاراي من الملمّين بالوضع اللبناني ومن اللاعبين البارزين في السياسة الخارجية للفاتيكان في ثمانينيات القرن الماضي، التي قامت على تفعيل العيش المشترك بين اللبنانيين والحدّ من التوجهات المسيحية الراديكالية، واصطدمت في أكثر من مناسبة مع أركان الجبهة اللبنانية والتنظيمات المنضوية فيها.
ولا تزال قــضية العيش المشترك محورية بالنسبة إلى الكرسي الرسولي، وقد باتت تتخطى مسألة التعايش بين المسيحيين والمسلمين، لتصل إلى حد القلق على تدهور العلاقات السنية ــ الشيعية، لعلم الفاتيكان أنه ستكون لها انعكاسات كارثية على المسيحيين الشرقيين أيضاً. وقد أسرّ مسؤول العلاقات الدولية في الكرسي الرسولي المونسنيور جيوفاني لايولو لشخصية مارونية فاعلة في الوسط المسيحي اللبناني بالقول: "إن أية مشكلة بين السنة والشيعة في الشرق الأدنى، وتحديداً في لبنان، لا يمكن إلا أن تكون لها أبعاد كارثية على لبنان وأقلياته، عليكم كمسيحيين، المبادرة والاجتهاد كي لا تقع مثل هذه المشكلة”.
ويفتقد سيد بكركي في هذه الأثناء دورا فاعلا لرئاسة الجمهورية يكون قادرا على التوفيق بين القوى المتخاصمة، ولا ينحاز إلى واحدة من دون الأخرى، لذلك حاول عبر القمة الروحية أن يعوض هذا الغياب بجعل بكركي جسر عبور بين الطوائف.