البقاع ــ عفيف دياب
رمت الشمس كل خيوطها على "بلاد" بعلبك ــ الهرمل. معلنة انبلاج صبح جديد لا يشبه "صبحيات" البلاد هنا. لا أدري لماذا أبناء الوطن "اللبناني" المشتت، شكلاً ومضموناً، يطلقون اسم "بلاد" على بعلبك ــ الهرمل. ربما كون "جمهورية" بعلبك ــ الهرمل من أكبر الجمهوريات اللبنانية حرمانا وفقرا وغزارة في تقديم الدماء من أجل "الجمهوريات" الأخرى.
"صبح" البلاد طال انتظاره هنا. انطلقت حافلة "نقل الفقراء" من "ضواحي" الهرمل نحو البحث عن "خبز" أفضل. انتشر أبناء الأرض على "حوافي" الطرق. دقت الساعة معلنة وصول عقاربها إلى تمام السابعة من الصباح. ساعة واحدة تفصل "الفقراء" عن موعد وقف النار. يؤمنون أن الساعة حين "تأتي" لا أحد يقف في طريق مصيرها وقدرها.
فرح "قائد" الحافلة الصغيرة بمجموع "ركابه".. كلهم يتجهون من الشمال إلى الجنوب نحو حياة أفضل.. منذ "عمر" والأبواب كلها موصدة بوجوه الناس هنا. لم يبق إلا باب "البذلة" المرقطة. لبسوا هذا "اللون" من أجل ماذا؟ وطن يحمونه أم من أجل "حياة" توقف الفقر عند حد يبقيه تحت "خط" الوجع الدامي.
لم يكن يخطر ببال ركاب الحافلة أن موعد الساعة قد حان.. وأن موعد وقف النار قد أصبح عند مشارف "الموت". لقد ضاق العمر ذرعا بالدقائق العشر الأخيرة. أصبح الزمن بطيئا في الجمَالية. كانت الطائرات أسرع من "الصوت والضوء"، و«دقائق الحياة الأخيرة» خطفت كل السماء وألقت بصواريخها على "الفان" المسرع نحو الموت من حيث لا يدري. لقد تأخرت كثيرا الدقائق العشر الأخيرة. لم تصل "العقارب" إلى الثامنة. كانت "عقارب" الطائرات قد أوقفت الزمن ودورانه في "بلاد" أشعلتها نيران الصواريخ في شهر آب "اللهاب".
كتلة كبيرة من "النار" التهمت حافلة نقل الفقراء قبل الوصول إلى بعلبك. تُرى لماذا يبقى الفقراء "دوماً" في طي "المجهول". حولت "نيران" الصواريخ "الركاب" إلى كتلة متفحمة. لم يستطع أحد التعرف إلى أسماء أصحاب الجثث. انطلقوا عند السابعة صباحاً من منازلهم. استشهد سبعة، وجرح سبعة. كم من "مآسٍ" يحمل الرقم سبعة في "بلاد" بعلبك ــ الهرمل.
في بريتال حيث كانت السهرة عامرة بلقاء الأهل والأصدقاء، استشهد سبعة. لم تترك الطائرات الفجر يعبر بهدوء.
رفض الحاج علي مظلوم أن يبقى "الخلاّن" في المنزل يتسامرون ويطلقون "النكات" على الصواريخ "الذكية". طلب منهم أن يغادروا فوراً المنزل الى منازل أخرى " ما بيسوى نقعد كلنا هون... الطائرات بالجو". قال الحاج الذي افتدى بحياته كل "الأهل".
قبل انتصاف الليل، وبدء ليل يصعد نحو صباح "وقف النار"، ألقت الطائرات صواريخها على منزل الحاج علي. احترق كل الليل في بريتال قبل أن ينبلج صباح "وقف القتال". إنه الـليل الثاني الذي تلتهمه النيران.
لم تنس بريتال بعد المجزرة التي نفّذتها المقاتلات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. معظم الحوار في دارة الحاج كان عن المجزرة. لم يعلموا أن مجزرة جديدة ستدق باب"الدار" قبل انتصاف الليل.لم تتعب بريتال يوماً من "القتال" على كل "الجبهات" الجنوبية.
قضى الحاج علي مع رفيقة عمره فاطمة و"كنته" زينب مع طفليها: علاء وفاطمة، وحسين مظلوم، وعمار عثمان الذي شيعته أمس مدينته بعلبك بعد أن غادرها إلى بريتال اعتقادا منه بأنها أكثر أمناً من مدينة لم تستطع الصواريخ أن تقتل نبض حياتها التي انتعشت أمس، ورفعت رايات تشبه كل رايات "البلاد" الفقيرة.