طارق ترشيشي
لا يختلف اثنان على التأكيد ان جانباً مما يدور من نزاع سياسي داخلي يمثل انعكاساً لبعض العلاقات العربية العربية المأزومة التي بدأت ترسم في الأفق ما يشبه المحاور المتقابلة التي يُخشى ان تتحول لاحقاً “محاور متقاتلة” إذا لم تنجح المساعي التي دعا إليها الرئيس نبيه بري لتشكيل حكومة جديدة والتي يقول ان كلاً من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري ابلغا اليه حرفياً انه لا أحد يمكنه ان يقف ضدها.
بيد ان بري اشار صراحة الى العلاقات العربية “القائمة على تعقيدات كبيرة” وهو يقصد مباشرة ما هو قائم بين سوريا والسعودية، لكونهما الدولتين الاكثر تعاطياً مع الشأن اللبناني والاكثر تأثيراً على القوى السياسية اللبنانية.
وظهر أخيراً ان دمشق والرياض ذاهبتان الى “مواجهة” في ضوء توافد بعض غلاة “المعارضة السورية” الى السعودية تحت عنوان “الاعتمار” (أداء العمرة)، وراج ان هؤلاء حظوا بتكريم لدى عدد من المسؤولين السعوديين الكبار (برغم نفي المصادر السعودية لذلك). وقد اثار هذا التصرف استياء دمشق التي أدرجته، حسب زوارها اللبنانيين، في اطار ما تتعرّض له من ضغوط اميركية ودولية، وكذلك في اطار مخطط يهدف الى إسقاط نظامها، يعكسه الخطاب السياسي لقوى 14 آذار اللبنانية. ورأت ان تكريم هؤلاء هو بمثابة “رسالة سعودية” إليها ومفادها ان في امكان الرياض ان تتبنى او تدعم المعارضين السوريين الذين يرفعون شعار إسقاط النظام.
والواقع ان العلاقة بين دمشق وكل من الرياض والقاهرة كانت قد تأزمت اثر خطاب الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد غداة العدوان الاسرائيلي عندما وصف رؤساء وملوكاً عرباً بأنهم “أنصاف رجال”، فما كان من الرياض والقاهرة يومها إلا ان اعتبرتا نفسيهما مقصودتين بهذا التوصيف. وفيما أدّت زيارة مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان الأخيرة لدمشق الى كسر الجليد بينها وبين القاهرة فإن الازمة بين سوريا والسعودية ما تزال تتفاقم وتكاد تصل الى حد القطيعة وخصوصاً أن السلطات السورية كانت قد أبعدت الملحق العسكري السعودي من دمشق قبل بضعة اسابيع لأسباب لم تُعلن.
وقيل في هذا السياق ان الرئيس بري عندما فاتح الجانب السعودي أخيراً في امر معالجة الازمة السعودية السورية لافتاً الى ما تتركه من انعكاسات سلبية على الوضع اللبناني المتوتر، لم يسمع سوى عتب على حديث الرئيس السوري عن “أنصاف الرجال”.
الى أين من هنا؟
اوساط متابعة لما تشهده العلاقة السعودية السورية تعتقد ان الازمة التي تشهدها لن تطول كثيراً وانها محكومة بالمعالجة في وقت ليس ببعيد، لأن ما تشهده العلاقات العربية العربية عموماً سببه المشروع الاميركي الذي يحاول ان يحدد لـ“العرب الاميركيين”، اي الدول العربية التي ترتبط بمصالح مع واشنطن، “قواعد سلوك” للتعامل مع الدول العربية، وحتى غير العربية، الممانعة له. وفي ضوء ذلك تبدو سقوف الموقف العربي الرسمي تحت الخط الادنى، حيث الاستجابة لما تريده الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان.
إلا أن هذه الاوساط تعتقد أنه ليست هناك “رغبة سعودية أصلية جامحة الى حد القطيعة” مع سوريا لأن السعودية على مر عهودها وملوكها “تحسب حساب العلاقة الجيدة لا العدائية” مع دمشق. ولذا فإن ردة فعلها على خطاب الأسد “ليست اصلية او بنيوية” في النظام السعودي الذي يحرص منذ ايام رئاسة صلاح جديد على ان تكون علاقته متينة بدمشق. وغالب الظن ان اعلان المصدر الرسمي السعودي ان الرياض لم تدعُ اي شخصية سورية معارضة لزيارتها وان الشخصيات السورية المعارضة كانت في زيارة لأداء العمرة التي لا تمنعها المملكة على اي مسلم وان المسؤولون السعوديين لم يعقدوا معها اي لقاءات، مؤشر على تراجع التوتر بين دمشق والرياض استجابة لمساعٍ ما جارية بعيداً عن الاضواء لتطبيع العلاقة بينهما.