مسؤول غير لبناني يتصل برئيس الحكومة ووزرائه فرداً فرداً، دعماً لفريق لبناني ضد آخر، ويخرج منهم من يتحدث عن مواجهته عودة الوصاية...لم يسبق ان حصل هذا الامر في لبنان. بلى حصل، يتذكر سياسي عتيق عارف. حصل مرة قبل 10 أعوام ونيف. كان ذلك بعد ايام على اندلاع عملية «عناقيد الغضب» في نيسان 1996. يومها أعدّت سراً طبخة اميركية - فرنسية - اسرائيلية لحل يفرض بالحسنى على لبنان. فجأة تولى مرجع حكومي راحل تسويقه لدى عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي. جرت الاتصالات بين وزراء زمن الوصاية ــ وغالبيتهم وزراء زمن السيادة ــ وبين «المكتب اللبناني» في دمشق، ليتبلغوا التعليمات اللازمة. بعد ساعات وصل الخبر الى حافظ الاسد، رفض الصفقة وأوعز الى غازي كنعان بوقفها. كان «ابو يعرب» حريصاً على ماء وجه حليفيه النظاميين، خدام والشهابي، وحريصاً اكثر على المرجع الحكومي اللبناني الماشي بالتسوية، فأخذها بصدره، تناول هاتفه واتصل بالوزراء اللبنانيين الاحرار الاسياد، فرداً فرداً، معطياً أوامره بوقف التعليمات السابقة، وقضى الله أمراً...
عشرة اعوام مضت، يقول السياسي المجرّب والمتذكّر، اندحرت اسرائيل وجلت سوريا، تبدلت أمور وأوضاع وظروف، واكتفت هذه الطبقة السياسية الحاكمة من كل ذلك، باستبدال وصاية بوصاية.
قد تكون هذه الصورة كافية لايضاح حجم المأزق اللبناني الراهن. غير ان اوساطاً كبيرة المسؤولية في المعارضة، تتخطى تفاصيلها لتجدد ثقتها بأن الحل آت، ولتؤكد تفاؤلها بالمقبل من الايام. وتشرح ان المسألة متروكة الآن لتأخذ كل خطوة من قبل المعارضة كامل أبعادها. فاستقالة الوزراء اعطت مفعولها، وان حاولوا امتصاصها عبر اغتيال الشهيد بيار الجميل وما تلاه من توظيف واستغلال، والآن خطوة الشارع مقدر لها ان تستكمل وقعها في غضون 10 أيام على الاقل، مع الامل والدعاء ألآ يعمدوا الى تطويقها بعمل دموي آخر.
علماً ان الحدث العظيم امس الاول افقد الكثيرين صوابهم: «ان ينزل شعب لبناني ليملأ في آن كل ساحات الموالاة والمعارضة السابقة، من دون ان تسجل ضربة كف، هذا ما دفعهم الى «شراء المشكل» بأي ثمن. مساءً نشروا بعض الرعاع في بعض الاحياء البيروتية، مع أوامر بالاعتداء على كل سيارة او مواطن عائد من التظاهرة. ومع ذلك حافظنا على انضباطنا الكامل وأحبطنا مؤامرتهم. جاءوا بالعمائم في ما يشبه صرخة «واعثماناه!»، وتناسوا ان الحسن والحسين هما من ذاد عن عثمان، وان الغدر به كان على يد آخرين. ولما لم تنفع كل محاولاتهم استنفروا العائلات الحاكمة النظيرة لسلطتهم من كل اصقاع العالم، لدعم حكمهم في مواجهة حكم شعبهم».
ورغم ذلك كله، او الأدق استناداً اليه، تؤكد الاوساط المعارضة تفاؤلها. وتضيف: «سنكون بدءاً من الغد امام حملة تهويل جديدة، لمنعنا من تنفيذ خطواتنا التالية. تماماً كمل حصل منذ استقالة الوزراء. حتى ان احد السفراء الناشطين لم يكتف «بتهبيط الحيطان» علينا في الداخل، بل حاول ذلك مع السفراء الآخرين. كانوا يريدون منعنا من النزول، فنزلنا، وهي خطوة ستتفاعل وتتكامل ملحقاتها الأخرى في غضون 10 أيام على الاقل. بعدها اذا لم يقتنع المعنيون بالحل، ننتقل الى خطواتنا التالية، وهي عديدة وفعالة وجاهزة».
لكن أليس صحيحاً ان كل الامور كانت جارية بالتوافق داخل الحكومة، باستثناء مسألة المحكمة الدولية؟ تجيب الاوساط نفسها: «هذا امر عار عن الصحة تماماً. نتحدى فؤاد السنيورة ان يفتح محاضر جلسات مجلس الوزراء منذ آب 2005، وليظهر للبنانيين بنداً وطنياً واحداً اقرته هذه الحكومة، في السياسة او الاقتصاد او التربية او الامن او الادارة. التوافق كان سائداً، لانه حرص على حصر اختصاصات حكومته بفتح اعتماد لسفر وفد وتشكيل حاجب وقبول قرض. فيما كل القضايا الوطنية التي تقتضي التوافق فعلاً، تركها مرمية في الادراج، من الضمان الى التعيينات، ومن الكهرباء الى قانون الانتخاب، ومن السياسة الخارجية الى السيادة. أما قصة المحكمة فباتت مكررة ومعروفة، وفي كل حال فهم أقروها في حكومتهم، فما هي الذريعة المتبقية لعدم تشكيل حكومة الوحدة؟ هل هذه هي الدولة التي يريدون؟ دولة ادارة الازمات وسنديك التفليسة واستدراج الخارج لقمع الداخل؟».
«هذا أمر لم يعد مقبولاً وسينتهي قريباً». ماذا سيحصل غداً اذن؟ «بكل بساطة سنكون في الساحتين وفي كل ساحة، سنعبر عن فرح التزامنا وايماننا بقضايانا وانتصاراتنا السابقة واللاحقة، وسننتظرهم 10 أيام على الاقل».
(الأخبار)