البقاع الغربي ــ فيصل طعمة
ما أن تسمع بالسلطان يعقوب، حتى يتبادر إلى ذهنك تلك البلدة الواقعة على أعلى تلة (1300م) في البقاع الغربي والمطلة على معظم سهل البقاع الجنوبي، وهي قرية تنقسم اليوم إلى قسمين: «السلطان يعقوب التحتا» المعروفة باسم «لوسي» و«السلطان يعقوب الفوقا» التي يقع فيها «مقام» السلطان يعقوب، وهي تتبع إدارياً لقضاء البقاع الغربي، وتبعد عن زحلة حوالى 30 كلم، وعن محلة المصنع حوالى 8 كلم.
«السلطان يعقوب» تحولت بسبب موقعها الجغرافي، وما شهدته من أحداث أبرزها خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، إلى بلدة ذائعة الصيت، وخصوصاً لجهة إطلاق إسرائيل جائزة تصل قيمتها عشرة ملايين دولار مقابل الحصول على معلومات عن مصير جنودها يهودا كاتس وزخاريا باومِل وتسفي فِلدمان الذين فقدوا في معركة السلطان يعقوبالسلطان يعقوب» اليوم، كما في الأمس البعيد والقريب، تحولت بسبب «مقام» السلطان يعقوب، إلى مزار لأهالي البلدة والمنطقة الذين ينذرون النذور لله عن طريق «يعقوب»، فمنهم من ينذر نقوداً، أو ذبيحة، أو شمعاً، أو زيارة للبلدة والمقام وهو حافي القدمين، ومنهم من يقرأ مولداً (سيرة الرسول) لأنه مر بشدة أو مصيبة، وتضرع إلى الله بأن يفرج عنه بكرامة «السلطان يعقوب» نزيل المقام.
ولكن ما حقيقة تسمية تلك البلدة بهذا الاسم؟ وهل فعلاً أن سلطاناً يدعى يعقوب مدفون فيها؟ ومن هو السلطان يعقوب؟ وما هي أعماله، ولماذا اختار تلك المنطقة لإقامته، ولحفر ضريحه فيها فأعطى اسمه للبلدة المشهورة؟
السلطان يعقوب هو أحد أشهر ملوك وسلاطين دولة الموحدين التي نشأت في الأندلس على أنقاض دولة المرابطين. إنه أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي، الملقب بالمنصور، الذي حكم بلاد الموحدين وهو في سن الثانية والثلاثين من عمره مدة خمسة عشر عاماً.
فابن عذاري «يجعل تاريخ ولادته عام 554 هـ ومجمل عمره إحدى وأربعون سنة. أما المراكشي فلم يحدد تاريخ ولادته، إلا أنه أمدنا ببعض التواريخ التي نستدل بها عن تاريخ ميلاده، ولد عام 545 هـ وتوفي عام 595 هـ وفق ما كتب على اللوحة فوق مدخل المقام في بلدة «السلطان»، وهذا ما أكده يوسف الجاروش، ابن البلدة، في كتابه «السلطان يعقوب بطولة وتراث»، معتمداً على مراجع مغربية ومشرقية تناولت سيرة السلطان يعقوب، أمثال ابن خلكان في وفيات الأعيان، وابن
خلدون في العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر، وابن الخطيب في الإحاطة... وغيرهم.
ولكن أين ضريح «السلطان يعقوب»؟ أهو في مدينة سلا المغربية، أم في البقاع الغربي؟ تقول الروايات إن السلطان يعقوب، وما يتداوله الناس، ترك ماله وجاهه، وما كان فيه وتجرد وساح في الأرض إلى أن انتهى به الأمر في بلاد الشرق، ودفن في بلدة السلطان يعقوب التي أعطاها اسمه في مكان يقال إنه حفره بيده داخل الصخور، وهو مؤلف من مسجد وغرفة بداخله، تحتوي على الضريح. ومنهم من يقول إنه رجع إلى مراكش ودفن في مدينة سلا المغربية.
السيدان يوسف الجاروش والشيخ سليم يوسف، اعتمدا على رواية تفرد بها ابن خلكان في وفياته، مفادها أن السلطان ترك بلاد المغرب وتوجه نحو الشرق حيث مات ودفن في مكان قرب بلدة «حّمارة» أو المنارة اليوم، على قمة مرتفعة 1300متر عن سطح البحر، ويستدل من حقيقة هذه الرواية، الزيارات التي يقوم بها المغاربة إلى المقام الموجود في البقاع. المصادر المغربية، التي تناولت أخبار السلطان يعقوب، اتفقت جميعها على أن السلطان يعقوب توفي سنة 595 هـ ودفن في مدينة سلا، وما يقال عن أنه ساح في الأرض، وتخلى عن الملك، ووصل إلى الشام ودفن في البقاع، يبقى بحاجة إلى بحث وتمحيص.
وتجدر الإشارة إلى أنه كان يوجد كتابة لا يعرف تاريخها على بلاط القبر في بلدة السلطان تقول: «قبر الوالي العارف بالله يعقوب ابن إبراهيم الأدهم».