ببنين ـ غسان سعود
رواية أم تميم عن المقاتلين الشقر والسمر على أسطح المخيّم
نسي البعض أن في مخيم نهر البارد، وعلى أطرافه خصوصاً، لبنانيين. وأن الهويات تداخلت في هذا المخيم الذي يقصده لبنانيون كثر يومياً للتبضع. وعائلات كثيرة تزاوجت في ما بينها، كما يقول مختار بلدة ببنين المحاذية للمخيم


أم تميم لبنانية تسكن وعائلتها على الطريق العام، نزحت من المخيم إلى ببنين. كانت تتابع خلال الشهور القليلة الماضية تطور حركة مؤيدي «فتح الإسلام» الذين وصلوا فجأة إلى المخيم، واحتلوا ثكنة ضخمة ومهجورة للجيش اللبناني تعرف بالخان. وبدأوا بالتدرب على القتال. فكانوا يسبحون في «عز الشتاء»، ويقفزون وسط دواليب تحترق، ويتدربون بقساوة.
وتروي أن هؤلاء كانوا يمتلكون مالاً كثيراً، ويعرضون على مالكي المنازل في المخيم أموالاً طائلة وصلت مرةً إلى عشرة أضعاف المبلغ الذي يطلبه عادة صاحب الملك لقاء تأجير شقته. عدد كبير من هؤلاء لم يكن ملتحياً، فيما كانت ذقون البعض طويلة جداً. ومعظمهم كانوا متزوجين أو تزوجوا من صبايا البارد، أما نساؤهم وأولادهم فكانوا شبه معتقلين داخل الخان، لا يخرجون منه إلا نادراً. وبعضهم كانوا شقراً وعيونهم ملونة، فيما غالبيتهم سمر، وتدل لكنتهم على أنهم خليجيون. وهم يتكلمون بالفصحى حتى لا يطّلع محدثوهم على هويتهم الحقيقية. كما تكشف أم تميم عن أنهم كانوا يعطون أكثر من مئتي دولار للصبية لقاء سماع تعاليمهم. وتؤكد أن «الإسلاميين كانوا يدفعون ستمئة دولار لكل من يمشي معهم».
وفي الأسبوعين الماضيين، بدا الإسلاميون بالنسبة إلى السيدة الثلاثينية أكثر حذراً في التحرك، وانحصر ظهورهم خارج مقرهم بعنصرين أو ثلاثة على الأكثر. ظلوا يترددون هم أنفسهم على محالّ السمانة القريبة من الخان لابتياع احتياجاتهم. وقبل قرابة عشرة أيام، تكمل أم تميم، «استنفروا فجأة وصعدوا إلى سطح بنايتنا، وتمركزوا بوضعية قتالية قبل أن يختفوا داخل جحرهم». ويوم السبت، تكمل السيدة، «فوجئ عمي حين استيقظ ليصلي بسيارة جيب كبيرة ثبت على سطحها مدفع وعلم أسود كتب عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، يقودها رجل مسن ملتح يضحك بشكل هستيري». وكرر الأخير عدة مرات المشهد نفسه. يطلق القذائف على موقع الجيش في العبدة من تحت شرفة منزلنا. وسرعان ما دهم عناصر فتح الإسلام المنازل المجاورة لمبنانا واستقروا على أسطحها بعد أن دعوا الله أن يوفق الساكنين ويحميهم ويبارك فيهم».
بدأ القصف، خرج الأهالي إلى شرفات منازلهم. دخل أحد عناصر فتح الإسلام إلى منزل أم تميم وطلب منهم بلطف التوجه إلى خارج المنزل نظراً لخطورة الأوضاع. لكنهم رفضوا ترك منزلهم. وفي المقابل، رفض المقاتلون إخلاء السطح أو باحة المبنى حيث كانوا يقصفون. وسرعان ما بدأ رد الجيش.
كانت العائلة تشاهد المقاتلين يتنقلون من البساتين إلى أزقة المخيم ومنه إلى موقعهم في الخان، فرحين بتحركهم ومرددين بأعلى صوتهم «الله أكبر»، «الموت لأعداء الله». ومع اشتداد القصف، اضطرت العائلة لقضاء يوم كامل في كاراج السيارة، من دون طعام أو مياه، واقتنعوا لاحقاً بالانتقال إلى عمق المخيم. وما أن تحركوا خارج منزلهم حتى قصفته مدافع الجيش.
في جامع المخيم، حيث اجتمع معظم النازحين، تؤكد أم تميم أن النسوة كنّ يتذمّرن من وجود مقاتلي فتح الإسلام على أطراف المخيم، فيما شتم معظم الرجال الجيش الذي يقصف منازلهم، ودعا بعضهم إلى الله حتى يوفق الإسلاميين في تلقينه درساً لا ينساه.