عرفات حجازي
لم يكن مستغرباً أن يتجدد التراشق السياسي والإعلامي بين فرقاء النزاع وأن ترتفع سقوف المواقف في ظل سجالات دائرة على خلفية استحقاقات داهمة بدءاً من الاستحقاق الاقرب أي المحكمة الدولية وانتهاء بانتخابات الرئاسة والسجال حول نصابها وآلياتها ومواصفات الرئيس المقبل، وليس مستبعداً أن تستمر عمليات الشحن كلما اقتربنا من الدخول في مدار الاستحقاق الرئاسي، فهذه امور تقتضيها أصول اللعبة بهدف تحسين الشروط وتحصين المواقع عشية مفاوضات مرتقبة لإنتاج تسوية تنهي الازمة السياسية بكل تعقيداتها.
وفي غمرة المواقف التصعيدية يجري الحديث عن ثلاث مبادرات بهدف الوصول الى حل قبل الوصول الى 25 من أيلول، الموعد الذي حدده الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
المبادرة الاولى اطلقها العماد ميشال عون ووصفها بأنها منسّقة وتغطي كل عناوين الخلافات، لكنه امتنع حتى الآن عن الإفصاح عنها بانتظار الوقت المناسب، وفي تقدير مقربين منه أنها قد تكون الورقة الاخيرة التي يطرحها للنقاش بعدما طرح مخرج انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب او الاحتكام الى انتخابات نيابية مبكرة.
وإذ يتكتم المقربون من عون على مضمون المبادرة، فهم من بعض المصادر أنها قد تتضمن تأليف حكومة وحدة وطنية ببرنامج سياسي متفق عليه يراعي هواجس الطرفين من الموالاة والمعارضة ويكون من مهامها الإعداد لانتخابات الرئاسة في أجواء سلسة وهادئة، وإقرار قانون جديد للانتخابات على اساس القضاء، بحيث اذا تعذر إنجاز الاستحقاق الرئاسي تناط بها مهام السلطة الاجرائية حتى يتم التفاهم على الرئيس المقبل والانتقال طبيعياً ودستورياً من عهد الى عهد.
المبادرة الثانية هي التي تحدثت عنها قوى 14 آذار وربطت طرحها بإقرار المحكمة، وراجت تكهنات مختلفة عن مضمونها، بعضها يقول بإمكان تأليف حكومة انتقالية يجري التفاهم على رئاستها من شخصية مستقلة على غرار ما جرى التوافق عليه عشية الانتخابات النيابية مع حكومة نجيب ميقاتي. لكن المرجح وفق ما فهم من تصريح لرئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري، توسيع الحكومة الحالية وإعطاء الثلث الضامن للمعارضة بعد أن يضمن تحقيق هدفه المعلن بإقرار المحكمة، وهو لمّح إلى أنه توصل في حواراته مع بري الى قطع مسافات غير قليلة من التنسيق، وأنه وصل معه الى كثير من الأمور في موضوع توسيع الحكومة وإلى معادلات يمكن من خلالها الوصول الى اتفاق قبل حلول الانتخابات الرئاسية .
المبادرة الثالثة خارجية، وكشف عنها بري عندما تحدث عن تنسيق إيراني ــ سعودي ــ سوري للقيام بجهد مشترك يساعد اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم وصون سلمهم الأهلي وتمتين جبهتهم الداخلية وتسهيل وفاقهم على انجاز الانتخابات الرئاسية بهدوء. لكن التحرك الثلاثي مستبعد في المدى المنظور، اذ تتريث المملكة العربية السعودية نتيجة الموقف السلبي للولايات المتحدة التي تريد الابقاء على الوضع المأزوم في لبنان لاستخدامه في الضغط على سوريا وإيران في الملف العراقي.
وإلى جانب هذه المبادرات الثلاث يسعى بعض السفراء العرب والأجانب المؤثرة دولهم في الملف اللبناني الى تشجيع بري والبطريرك نصر الله صفير على العمل معاً على إنقاذ الاستحقاق وجعله مدخلاً لعلاج الأزمة لا لتعقيدها، لا سيما ان المرجعيتين المذكورتين تمتلكان من الحكمة والصدقية والاحترام، ما يجعل طرحهما حول رئيس توافقي يلقى التأييد لدى غالبية القوى في الطرفين ويكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها البلد. وفي سياق متصل، كان لافتاً قيام موفد الرئيس السويسري بجولة على المرجعيات الرسمية والسياسية للتشاور معهم في أفكار مطروحة لإعادة إطلاق الحوار، ومستطلعاً مدى إمكان قيام سويسرا بدور يساعد على الاهتداء الى خريطة طريق تؤدي الى الاستحقاق الرئاسي وعبره الى مسار إنقاذي، مبدياً استعداد بلاده لاستضافة ورعاية حوار بين اللبنانيين.
ومع زحمة المبادرات، فوجئ الوسط السياسي بزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركي ديفيد ولش لبيروت لاعطاء جرعة منشطات لحلفاء أميركا وشد عصبهم على أبواب الاستحقاق الرئاسي، معيداً تأكيد الدعم القوي لهم ومطمئناً بأن لبنان لن يكون موضع مساومة أو مقايضة مجدداً، ووقوف بلاده إلى جانب حكومة السنيورة قاطعاً الطريق أمام تلويح الرئيس لحود بتأليف حكومة جديدة قد يلجأ اليها اذا تعذر إنجاز الانتخابات الرئاسية في مواعيدها المحّددة.
وربطاً بما تقدم يمكن الاستنتاج بأن التدخل الاميركي السافر في الشؤون الداخلية معطوفاً على رسالة السنيورة الى الأمم المتحدة ومطالبتها بإقرار المحكمة تحت الفصل السابع، أدخل عنصراً جديداً من عناصر التوتر إلى المشهد السياسي وزاد من انكشاف لبنان امام الوصاية الدولية وتحويل المحكمة التي حرصت المعارضة على إقرارها بإجماع وطني إلى سلطة خاضعة للبيع والشراء والصفقات في الساحة الدولية.