غسان سعود
ماريو عون يثير ملف الهدر و14 آذار تتهمه بالتسييس... ولجنة الخبراء تحدّد المسؤولين

عاد ملف «بيت الطبيب» ليشغل الحياة الطبية، القضائية، والسياسية في لبنان قبل أقل من عشرين يوماً على موعد انتخابات نقابة الأطباء، وذلك بعد أن قررت غالبية أعضاء مجلس النقابة التقدم بدعوى جزائية على ثلاثة اشخاص يتقدمهم النائب السابق غطاس الخوري، على خلفية ملف الهدر في إنشاء «بيت الطبيب».
وفي التفاصيل، سبق للنقيب ماريو عون، فور فوزه بمنصبه، تعيين لجنة خبراء تضم مهندسين موثوقاً بهم لتبيان كلفة بيت الطبيب الحقيقية إثر الشك بالأرقام التي قدمها النقيب السابق الخوري والتي تخطّت 14 مليون دولار تضاف إليها الفوائد وسعر الأرض. وأصدرت اللجنة بعد ثمانية أشهر تقريراً يبين أن الهدر يزيد على أربعة ملايين دولار. فتقدم عون باسم مجلس النقابة بدعوى جزائية على مجهول، الأمر الذي دفع بقاضي التحقيق الأول في جبل لبنان جوزيف قزي إلى تعيين فريق خبراء ضم ثلاثة مهندسين وخبيراً مالياً لدراسة الملف. واستمر هؤلاء في عملهم سنة وثمانية أشهر انتهت بتقديم المجموعة تقريرها في الثالث من ايار الجاري، وذكرت اسماء المسؤولين عن الهدر الذي تجاوز أربع ملايين دولار.
وبموجب هذا التقرير، طلب محامي النقابة المكلف متابعة الملف أن يدعي على المتهمين بالهدر. فاجتمع مجلس النقابة أول من أمس وأخذ قراراً بإقامة الدعوى بأكثرية أعضائه (اعترض 4 من أصل 16). الأمر الذي يضعه النائب عاطف مجدلاني في خانة إصرار البعض على استغلال «هذا الملف الفارغ» في السياسة. ويؤكد أن إثارة هذا الموضوع اليوم مرتبطة مباشرة بانتخابات النقابة، مشيراً إلى ترك الكلمة النهائية في هذه القضية للقضاء.
من جهته، يستشهد النقيب عون لدحض هذا الاتهام، بطلبه من اللجنة القضائية التي استجوبته في 2/ 1/ 2007 الاكتفاء من الوقائع بتلك التي «تجلت بالمستندات المبرزة من كافة الأطراف وتبين جميع ملابسات التلزيم ومراحل المشروع، والأخطاء الجسيمة، والعيوب في التنفيذ. والمخالفات في العقود التي سمحت بسرقة الأموال. وذلك في أقرب فرصة تفادياً لحلول تواريخ معينة تتيح للبعض ربط التقرير بغايات سياسية وأهداف بعيدة عن الهدف الذي تصبو اليه النقابة»، ليؤكد أن إثارة الملف لا يرتبط بموعد انتخابات النقابة من قريب ولا من بعيد، ولا بأية أهداف سياسية، وأن الغاية الوحيدة من تحريك الدعوى هي جلاء الحقيقة للرأي العام الطبي واللبناني، خصوصاً أن الجزء الأهم من برنامجه الانتخابي الذي فاز على اساسه كان تبيان الكلفة الحقيقية لبيت الطبيب الذي افقر الجسم الطبي. ويوضح أن الأموال التي هدرت في «البيت» كانت ستسمح بدعم النقابة لصندوق التأمينات الصحية للأطباء، ورفع المعاش التقاعدي للطبيب الذي هو اليوم بحدود 600 ألف ليرة شهرياً.
ويوضح عون أن النقابة تتريث في القيام بادعاء شخصي، وتدرس كل الخطوات القانونية، حتى لا يتعرض مجلس النقابة أو النقيب لأية مساءلة فيما لو رفضت المحكمة مضمون التقرير. ويرى النقيب أن الاعلان عن التقرير وعقد مجلس النقابة اجتماعاً لمناقشته تزامناً مع الحادثة الأمنية قرب بيت الطبيب حيث القي اصبع ديناميت، والتي يراها عون رسالة ترويع لمجلس النقابة لردعه عن استكمال الخطوات القانونية الضرورية. وقد استغرب هذا الأمر أطباء 14 آذار والجماعة الاسلامية في بيان أصدروه أمس، ورأوا فيه «أن توقيت طرح التقرير التقني للخبراء على مجلس النقابة والاستعجال في اتخاذ صفة الادعاء الشخصي، يكشفان الخلفيات السياسية اللحودية ـــ العونية، الكامنة وراء هذا الموقف»، واستغربوا تجديد العقد من دون استدراج عروض مع (شركة كمبرلك) للتأمين وCALL med أيضاً. واتهم البيان النقيب عون بعدم تحقيق أية إنجازات تستحق الذكر. ورأى أن هدف الحملة التي يشنها التيار هو النيل من «غطاس خوري، النائب والنقيب السابق والوجه البارز في «ثورة الارز».
يذكر أن التقرير يتضمن 300 صفحة، ويتهم صراحة مسؤولين سياسيين من قادة 14 آذار بالهدر، وقيمته القانونية تكمن في تحريره بناء على قرار من قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، ويمكن من خلاله مطالبة النيابة العامة باتخاذ قرار في حق الأشخاص الواردة أسماؤهم في التقرير. ويقول أحد المطلعين إن النقيب عون يحذر في انتقاء المفردات في حديثه عن هذه القضية، حتى لا يتهم لاحقاً بالافتراء، بعد أن استأنف لدى المحكمة التمييزية الحكم عليه بدعوى الذم التي تقدم بها غطاس الخوري ضده إثر حلقة تلفزيونية. وكان قد صدر في الدعوى نفسها حكم بمنع المحاكمة عن عون لجهة القدح بتاريخ 26/1/2006. ويوضح مصدر متابع لهذه القضية أن الخوري كان قد اتفق مع الشركة التي التزمت بناء «بيت الطبيب» على ما يسمى «السعر الأعلى المضمون»، لكن تكلفة البناء قفزت فوق هذا السعر، وكادت تضاعفه. وتحتدم في «بيت الطبيب» أو نقابة الأطباء السجالات حول هذا الموضوع عشية انتخابات النقابة التي يستعدّ طرفا الصراع السياسي القائم اليوم لخوضها بكل ما أوتيا من قوة. ويقول البعض إن أحد تيارات الموالاة رصد لهذه المعركة قرابة مليون دولار، وذلك بعد أن سدد 6200 طبيب اشتراكاتهم ليحق لهم بالتالي الاقتراع. علماً بأن الدورة الاولى في 12 الجاري لن تشهد انتخابات لعدم توفر النصاب. وسيؤجل الحسم الى الدورة الثانية والاساسية في 27 الجاري، حيث سيختار الاطباء سبعة اعضاء جدداً ونقيباً (اي نصف عدد مجلس النقابة) بدلاً من الذين انتهت ولايتهم. وتؤكد المعارضة قدرتها على حسم المعركة، فيما تقول الموالاة إن الوقت ليس للخطابات الاعلامية، والعمل جار بجدية للفوز بالأعضاء السبعة ومنصب النقيب. والجانب الخلفي للصراع، بحسب أحد المطلعين، هو «بيت الطبيب» نفسه، إذ ستقع مسؤولية كبيرة على النقيب الجديد بعدما تخطت مصاريف الدعاوى في هذا الملفثمانين ألف دولار. ويتخوف أطباء المعارضة من أن يُنسى الملف في جوارير «البيت» إذا فاز بموقع النقيب أحد أطباء 14 آذار.
ويشار إلى أن «بيت الطبيب» هو المركز الرئيسي لعقد اجتماعات اللجان العلمية التابعة للنقابة، ويراقب فيه تطبيق القوانين الطبية، ويضم قاعة محكمة درجة أولى للمجلس التأديبي، وقاعة كبرى للاجتماعات.