جوان فرشخ بجالي
أيام قليلة وينجز مشروع «متحف الميدان الروماني» الذي يمثّل سابقة في لبنان لأنه يعرض القطع الأثرية في مكان اكتشافها وبشكل متحفي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيُفتح هذا المتحف أمام الجمهور؟

في زاوية الطابق الثاني تحت الأرض من موقف سيارات مجلس النواب، غرفة بُنيت خصوصاً لإنشاء متحف لقطع الميدان الروماني تماماً حيث اكتُشفت سنة 1994.
جدران الغرفة غُطّيت بقماش أسود يتناقض لونه مع رخام القناطر البيضاء المغطّاة بالزخارف الصغيرة. جسر صغير يقود إلى طرف الغرفة حيث أعيد الجدار الذي ترتفع فوقه قنطرتان وتقبع أمامه نافورة مياه ضخمة محفورة في حجارة الغرانيت الحمراء. أرضية المتحف مغطاة جزئياً بقطع من الرخام المربّع الملون: بلاطة بيضاء وأخرى سوداء... أرضية ميدان بيروت الرومانية كانت تشبه يوماً لعبة الدومينو.
والميدان أو الفوروم Forum هو المكان الذي كان يتجمّع فيه المواطنون الرومان للتباحث بأمور التجارة والمقايضة وحيث كانت تتمحور الحياة السياسية... ففي روما كان أعضاء مجلس الشيوخ يعرضون على الشعب في الميدان حلولهم للمشاكل الســـــــياسية التي تعيشها الإمبرطورية.
مشروع «متحف الميدان الروماني» هو سابقة في لبنان. فهذه هي المرة الأولى التي تعاد فيها قطع أثرية إلى مكان اكتشافها ويتم العمل على عرضها بشكل متحفي بامتياز.
وقد تبنّت هذا المشروع وموّلته وزارة الخارجية الإيطالية عبر سفارتها في بيروت بعد أن قدّمه إليها مركز تورينو للحفريات والأبحاث الأثرية (Centro Scavi di Torino) الذي كان قد أشرف على هذا الموقع منذ قيام الحفريات الأثرية.
وتشرح عالمة الآثار المسؤولة عن المشروع ديفينا أبو جودة أن «عمل الفريق الإيطالي المختصّ من مركز تورينو بدأ في هذا الموقع عام 1994، أي بعد الحفريات الأثرية». وحينما تقرّر رفع الجدران والقناطر والأرضية وحتى النافورة، جاء الفريق العلمي المختص، وكانت هي من ضمنه، وعمل على رسم القطع الأثرية هندسياً ومن ثم على تصويرها بحسب تقنية التصوير المسامي الضوئي Photogrammetrie (تصوير يحدد مكان كل قطعة بحسب أبعادها الثلاثية). تلك «الدراسات» هي التي سمحت اليوم بإعادة القطع التي تشكل جزءاً من ميدان بيروت الروماني إلى مكانها الأصلي، على عمق 6 أمتار تماماً كما كانت. وتعدّ هذه التجربة العلمية الرابط لاهتمام المركز الإيطالي الدائم بهذه القطع. فبإنشاء هذا المتحف، أراد القيّمون على المركز إنهاء مشروع علمي كانوا قد بدأوه منذ أكثر من عقد.
وتقول أبو جودة إن «إعادة آثار الميدان الروماني إلى موقعها الأساسي هي أولاً لغرض علمي بحت. فالقطع الأثرية التي تُكتشف ويمكن عرضها يجب أن تعود إلى مكانها بشكل علمي لا يغيّر شيئاً من واقع اكتشافها. أما الهدف الثاني فهو عرضها على الجمهور وتعريفهم بإحدى حقب تاريخ مدينتهم. لذا تمت دراسة المشروع على أن يكون متحفاً صغيراً تحت الأرض».
ولإنجازه كمتحف عصري إضافةً إلى طريقة العرض المثيرة، تقول أبو جودة إن العمل جارٍ حالياً لإنهاء اللوحات التي ستشرح وظيفة كل من تلك القطع المعروضة في الميدان العائد إلى الفترة الرومانية. كما ينهي المخرج بهيج حجيج إنتاج فيلم وثائقي لا تتجاوز مدته 10 دقائق عن بيروت في تلك الحقبة التاريخية.
أيام قليلة ويُنجَز المشروع ليبدأ التساؤل هل سيُفتح هذا المتحف أمام الجمهور؟ هل ستعمل المديرية العامة للآثار مع وزارة السياحة على استحصال «إذن» من مجلس النواب يسمح للزائرين بالدخول الى الطابق السفلي من موقف سيارات النواب؟ هذا ما تأمله السلطات الإيطالية ومركز تورينو وهذا ما يؤكده مسؤول التنقيبات الأثرية في المديرية العامة للآثار أسعد سيف. فيقول «لم يتم بعد تحديد الآلية وشكل فتح أبواب المتحف أمام الزائرين، ولكن يجري الآن التداول والبحث بهذه الفكرة على أكثر من صعيد. وهناك عدّة أفكار مطروحة منها تخصيص يوم في الأسبوع أو حتى في الشهر لاستقبال الراغبين في زيارة المتحف بحسب الإجراءات الأمنية التي يراها مجلس النواب ضرورية. الفكرة ليست مستحيلة ولكن لم يحن بعد الأوان للعمل عليها».
تجدر الإشارة إلى أن السماح للبنانيين بزيارة هذا المتحف الصغير هو بمثابة إعادة بعض من التاريخ الذي سُلب منهم في حفريات بيروت اليهم وخلق رابط حسّي بينهم وبين عاصمتهم. فلزيارة آثار رومانية في مبنى تابع لمجلس النواب ثقل ثقافي ومعنوي له تأثيره على شعب يبحث عن هويته التاريخية. وإن لم يؤخذ ذلك بعين الاعتبار فسيكون حراس المبنى وسائقو سيارات النواب، الذين لايدخلون حتى إلى الموقف هم المستفيدين الوحيدين من هذا المتحف.