إبراهيم عوض
كوشنير يرى أنها «بادرة على طريق التهدئة مع سوريا» وواشنطن تشكّك في جدواها

أبلغت دمشق جان كلود كوسران مبعوث وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تأييدها للمساعي التي تبذلها باريس من أجل إنهاء الوضع المتأزم، في لبنان مشدّدة في الوقت نفسه على دعم كل ما يتوافق عليه اللبنانيون، فيما مثّلت زيارة المبعوث الفرنسي الى العاصمة السورية خطوة متقدمة على صعيد البحث في إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، التي سادها التوتر إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد لمّح الى ذلك كل من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع والوزير كوشنير نفسه، الذي رأى أن إرسال موفده الى العاصمة السورية «بادرة على طريق التهدئة مع سوريا».
إلا أن اللافت كان تشكيك واشنطن في هذه «الحركة» الفرنسية. إذ أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك «أن مبادرات عدة حصلت حتى الآن من جانب عدد من الدول وعدد من الموفدين لإقناع سوريا بتغيير تصرفها ولا نزال ننتظر».
وكان كوسران الذي وصل مساء أول من أمس الى دمشق قد استهل محادثاته أمس بلقاء وزير الخارجية وليد المعلم، حيث عرض له الجهود التي تقوم بها فرنسا من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف اللبنانية ونتائج مؤتمر الحوار اللبناني الذي جرى أخيراً في «سان كلو»، وفق ما أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، وقد أكد المعلم خلال اللقاء «حرص سوريا الكامل على دعم ما يتوافق عليه اللبنانيون واستعدادها لبذل كل الجهود الممكنة للمساعدة على التوصل الى اتفاق بين الأطراف اللبنانية لحل خلافاتهم على أساس احترام الدستور اللبناني، وصيغة العيش المشترك بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان».
من جهته، أكد الشرع خلال استقباله كوسران «دعم سوريا لكل جهد يؤدي للتوصل الى إنهاء الوضع المتأزم في لبنان، عبر صيغة تتوافق عليها جميع الأطراف اللبنانية». كما جرى «التأكيد على أهمية تطوير العلاقات الثنائية السورية الفرنسية وتطويرها في ظل العهد الجديد للرئيس نيكولا ساركوزي». وحضر اللقاء محمد ناصيف معاون نائب الرئيس السوري وجان كلود سفير فرنسا في دمشق.
ورفض كوسران عقب اللقاء الإدلاء بأي تصريح، فيما اكتفى بعد لقائه المعلم بالقول «إن سوريا وافقت على عناصر المبادرة الفرنسية للحوار بين الأطراف اللبنانية». موضحاً أنه «أطلع المسؤولين السوريين على نتائج هذه المبادرة، التي ضمت مختلف الأطراف اللبنانية في حوار «سان كلو» الأسبوع الماضي».
ووصف مصدر سوري مطلع أجواء المحادثات التي أجراها كوسران في دمشق بـ«الإيجابية»، وقال إن الأخير تمنّى على المسؤولين السوريين المساعدة في حلحلة العقد التي تتحكّم في الأزمة اللبنانية، والتباحث مع حلفائهم وأصدقائهم اللبنانيين في كل ما من شأنه أن يُسهم في إخراج لبنان من الوضع المضطرب الذي يعيشه. وذكر المصدر أن الجانب السوري نوّه بالمساعي الفرنسية الجارية في هذا الصدد، وأعلن دعمه لكل جهد يُبذل لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، والتوصل الى تفاهم فيما بينهم، مشيراً الى أن سوريا تدعم وتؤيد كل ما يجمع عليه اللبنانيون.
وعلمت «الأخبار» أن زيارة المبعوث الفرنسي مثّلت مناسبة للبحث في موضوع العلاقات السورية الفرنسية والسبل الكفيلة بإعادة تطبيعها، وخصوصاً في ظل العهد الجديد للرئيس ساركوزي بعدما شهدت تدهوراً لافتاً في السنتين الأخيرتين من عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بسبب إقحامه عامل «الشخصنة» فيها.
وذكرت المعلومات أن وجهات النظر بين دمشق وباريس كانت متطابقة فيما يخص «مؤتمر السلام» الذي دعا اليه الرئيس الاميركي جورج بوش، حيث شدّد الجانبان على ضرورة إشراك جميع الأطراف في هذا المؤتمر، لا الاكتفاء بدعوة دول معينة دون أخرى، وقد لفت كوسران هنا الى الموقف الرسمي الذي صدر عن باريس في هذا الصدد.
وصرح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن إرسال الموفد جان كلود كوسران الى دمشق يمثّل «بادرة على طريق التهدئة مع سوريا». وقال في ختام لقاء مع نظيره البريطاني ديفيد ميليباند أمس إن إرسال هذا «الموفد الأول الثلاثاء والأربعاء الى دمشق بدا لنا مبادرة جديدة على طريق التهدئة»، استجابةً لـ«إشارات إيجابية» أرسلتها سوريا بشأن لبنان. وذكّر كوشنير باللقاء الحواري الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في قصر لاسيل ـــ سان كلو قرب باريس بين أطراف الحوار الوطني اللبناني الـ14 وبينها «حزب الله» المدعوم من دمشق وطهران، في مسعى لمعاودة الحوار بغية حلحلة الأزمة السياسية الحادة المخيمة على لبنان. وقال إن «بعض العقبات أُزيلت لأن سوريا وافقت على ذلك، والواقع أنه ما دامت هناك إشارات إيجابية، فإننا سنواصل اتصالاتنا بسوريا».
وكانت فرنسا قد جمّدت كل الاتصالات الرفيعة المستوى مع سوريا منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005، وقد قلّلت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني في تصريح أدلت به في وقت سابق من إبعاد زيارة كوسران الى سوريا، مشيرةً الى أنها لا تمثّل «اتصالاً على مستوى رفيع». ورأت أن الزيارة «مناسبة غداة لقاء الأطراف اللبنانية في لاسيل سان كلو». وذكرت بأن فرنسا «تنتظر من سوريا خطوات بشأن لبنان أولاً، وضرورة أن تطبق سوريا القرارات الدولية المتعلقة بهذا البلد».
ونقلت وكالة «يو بي آي» عن مصادر دبلوماسية قولها إن زيارة كوسران تأتي في «إطار استطلاعي تمهيدي لزيارة يقوم بها لاحقاً كوشنير الى المنطقة». وأضافت «أن التحوّل في السياسة الفرنسية تجاه سوريا يدرس بعناية، وسيبنى على حجم الرغبة السورية في تقديم المزيد من المساعدة في الملف اللبناني».
وشكّكت الولايات المتحدة أمس في جدوى إرسال موفد فرنسي الى دمشق، مشيرةً في الوقت نفسه الى تعاونها «الممتاز» مع باريس في الملف اللبناني. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك «لقد حصلت مبادرات عدة حتى الآن من جانب عدد من الدول وعدد من الموفدين لإقناع سوريا بتغيير تصرفها». وأضاف «لا نزال ننتظر».
وقال «إن الولايات المتحدة مقتنعة مع ذلك بأن فرنسا تبقى «شريكاً ممتازاً» في شأن الملف اللبناني. ويمكنني أن أؤكد لكم أننا نتقاسم الأهداف نفسها: تشجيع استقلال لبنان، وتشجيع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية فيه، إضافةً الى إحالة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري على العدالة».