strong> فاتن الحاج
يطرح تشكيل لجان تحضير أسئلة الامتحانات الرسمية ومتابعة أعمالها أكثر من علامة استفهام في الأوساط التربوية، غداة فضيحة «شطب» أساتذة من لون طائفي ومذهبي واحد، ومن ثم إعادة تثبيتهم بعد تدخلات سياسية من جهة، وإضافة أعضاء آخرين ينتمون إلى لون سياسي واحد من جهة ثانية. وكل ذلك جرى، بحسب الأوساط، في إطار عملية فساد مكشوفة غلّبت الاعتبار السياسي على معايير الجدارة والكفاءة والأقدمية. فما هو مبرر زيادة أعداد أعضاء لجان وضع الأسئلة؟ وما هي قصة هذه الزيادة؟
فقد فوجئت الأوساط التربوية هذا العام بقرار شطب 13 أستاذاً ينتمون إلى لون طائفي واحد من لجان تحضير أسئلة الامتحانات واستبدالهم بـ 36 آخرين ينتمون بغالبيتهم الساحقة إلى تيار المستقبل، وقد دخل معظم هؤلاء إلى ملاك التعليم في فترة لا تتجاوز السنة.
القرار أثار موجة احتجاج واسعة وخصوصاً أنّ التعيينات الإضافية تنسف دور أساتذة لهم باع طويل في العمل التربوي ويتمتعون بخبرة واسعة في مجال التقويم وطرائق التدريس تمتد إلى أكثر من 30 عاماً. وقد أجرى المعنيون مقارنات بين تشكيلتي عامي 2005 ـــــ 2006 و2006 ـــــ 2007، ورفعوها إلى المراجع السياسية والدينية التي تدخلت لتثبيت «المشطوبين» ليصدر بعد ذلك قرار جديد بإعادتهم. وبقيت مسألة الأعداد الإضافية التي تخالف المذكرة الرقم 45/2003 المتعلقة بهيكلية لجان الامتحانات الرسمية ومسؤولياتها. وتشترط المذكرة أن تتألف لجنة الثانوية العامة من 10 أعضاء على الأكثر، على أن تضم لجنة الشهادة المتوسطة 8 أعضاء على الأكثر. إلاّ أنّ ما حصل هو أنّ أعداد أعضاء لجان الأسئلة وصلت إلى 14عضواً، ما يرتب أعباءً مالية إضافية كبيرة. ومن الأمثلة على ذلك أنّ أعضاء لجنة الثانوية العامة في اللغة العربية باتوا 12 عضواً، بعدما كانوا في التشكيلة القديمة 9 أعضاء. وارتفع عدد أعضاء لجنة الشهادة المتوسطة في اللغة الفرنسية من 6 أعضاء إلى 10. وقد طاولت الزيادة لجان اللغة الإنكليزية والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع والفلسفة والتربية الوطنية والتنشئة المدنية. ولم يتم الاكتفاء بزيادة أعضاء اللجان فحسب بل عُيِّن مقررون لمواد ليست من صلب اختصاصهم من جهة أو أنّ المقررين ينتمون إلى القطاع الخاص من جهة ثانية، فيما عُلم أنّه كان من بين «المشطوبين» بعض المقررين للمواد. ويذكر في هذا الاطار أنّ المذكرة 45/2003 حددت شروط تعيين الأعضاء الذين يفترض «أن يكونوا من أساتذة التعليم في المؤسسات التعليمية الرسمية أو الخاصة الحائزين إجازة تعليمية على الأقل في المادة التي يتم إعداد أسئلتها، وسبق لهم أن مارسوا التعليم فعلياً ولسنوات عدة، ويتمتعون بمؤهلات تربوية خاصة في طرق التقويم والتدريس، وعلمية تتعلق بامتلاكهم المادة وصفات شخصية تجعلهم مؤهلين ليكونوا أعضاءً في لجان المواد».
انطلاقاً من هذا الواقع، وفيما يجري الحديث عن سياسة تنفيع وهيمنة ورشوى مكشوفة لتسديد فاتورة انتخابية نقابية والتزامات سابقة، تبدو الأسئلة الأكثر إلحاحاً: ما هي مواصفات ومعايير تشكيل لجان الامتحانات، ولماذا لم يفتح التفتيش التربوي تحقيقاً في هذه المسألة؟ ومن يأخذ القرار في وزارة التربية، أهو تيار المستقبل أم وزير التربية؟ وهل وزير التربية على علم بملابسات تركيبة اللجان؟ وإلى أي مدى استطاعت هذه اللجان أن تضع الأسئلة؟ ومن يدافع عن حقوق الطلاب والأهالي والأساتذة الأكفّاء الذين يجري تهميش دورهم، ولا سيما وأنّ الأساتذة الذين استُبعدوا في البداية لم يعلموا كيف «شُطبوا» وكيف عادوا؟ أهكذا يتم التلاعب بأسمائهم؟
أما الأوساط التربوية، فترى أنّ ما جرى مع الأساتذة جزء من سياسة الفساد التي تنخر العمل التربوي والنقابي، ولا سيما أنّه سبق لها أن حذرت من مخاطر السياسة التربوية الرسمية القائمة على نهج الاستبعاد والانحياز والمحسوبية والمحاصصة الطائفية والمذهبية في التعاقد والنقل وتعيين المديرين وتشكيل لجان الامتحانات، وما يُطرح عن مشاريع دور المعلمين وإذا كان ما حصل هو باكورة العملية الإصلاحية التي تدّعيها الحكومة، «فخود على إصلاح».