strong>فريد بو فرنسيس ــ عمر حبيب
لافتات مرحّبة بالانتصار حلقات رقص ودبكة ونثر أرزّ وورود ونحر خراف

اللبنانيون يحبّون التظاهر والتجمّع عامة، ويحبّون الجيش. لكنهم في هذا اليوم، يوم استقبال الجيش العائد من المعركة، جُنّ جنونهم! معظمهم كانوا على الأوتوستراد منذ الساعة الواحدة، وهم يعلمون أن المواكب لن تمرّ قبل الثانية والنصف: الأطفال والأولاد والشبان والصبايا والكهول والعجزة، جميعهم كانوا هناك تحت أشعة الشمس الحارقة. والورود كانت هنا، والحلوى، والأعلام طبعاً، علَم لبنان وعلَم الجيش، وبشكل أقلّ أعلام الأحزاب والتيارات السياسية.
حتى قبل وصول المواكب العسكرية، كانت الموسيقى تصدح من مكبرات الصوت والناس يحتفلون، والأزياء تليق بالمناسبة؛ قميص مرقّط أو بنطلون أو قبعة، مع أن ألوان التيارات المختلفة لم تغب تماماً. الطبلُ لم يسكت والدبكة على أشدها.
ووصلت الشاحنة العسكرية الأولى! علت الزغاريد، وبدأ الصراخ، وظهرت دموع في بعض المآقي، وهجموا على الشاحنة، وقدّموا الحلوى والورد الأبيض والماء للجنود، وهتفوا لهم بطول العمر والتوفيق، «والحمد لله على السلامة، والله يخلّيكن، وبيّضتولنا وجّنا...» ورجال الأمن الداخلي يحاولون ردع الناس لإتاحة المرور للشاحنة، ولا أحد يرتدع.
وتوالت المواكب، وفي كلّ مرة الأمر عينه، والحماسة عينها: هتافات وزغاريد وتعليق الورود على مقدمة العربات المصفّحة حيث صور الشبّان الذين قضوا في غفلة من الزمن، صور الشهداء. وهذه صبية تحمل صورة صديق لها أو قريب، مات فداء الواجب، ترتدي بذلة عسكرية، تحتفل ما بين الحزن والفرح. وهذا كهل اغرورقت عيناه بالدمع وما زال يبتسم... وهذا رجل حمل طفله وسلّمه للجندي الذي احتفظ به لبعض الوقت. والخراف، ضحية كلّ احتفال، لم تغب بالطبع؛ نُحرت فوق السيارات العسكرية مباشرة.
والجنود أيضاً يحتفلون. يحتفلون بالناس أو بالنصر أو بانتهاء المعارك، أو بالثلاثة معاً. يحملون بنادقهم فخورين، وباقات زهر قُدّمت إليهم منذ انطلاقهم وعلى طول الخطّ الساحلي. يبتسمون وفي عيونهم فخر وتعب.
والمروحيات لم تتوقّف عن التحليق. تمرّ من هنا، ثم تعود وتنخفض، حتى أنك ترى من بداخلها يحيّيك، فترتفع الوجوه والأيدي التي تلوّح أو ترسم علامة النصر. الساعة السادسة، القوافل الأخيرة ربما، وما زال الجمهور وكأنها البداية.
بداية المسيرة كانت من الشمال، حيث سلك موكب وحدات الجيش اللبناني العائدة من معركة مخيم نهر البارد، طريقه بصعوبة كبيرة، وسط حشد بشري من المواطنين الشماليين الذين اصطفّوا على طول الطريق من محيط مخيم نهر البارد مروراً ببلدات المنية البداوي وطرابلس والقلمون وأنفة وشكا وصولاً الى مدينة البترون، نزلوا من بيوتهم وخرجوا من مكاتبهم وتركوا محالهم، واصطفوا يلقون التحية على ابطال الجيش اللبناني العائد من ساحة النصر، بعدما خاض أشرس المعارك مع عصابة لو قدّر لها أن تربح المعركة لكانت قضت على البلد بمن فيه. أرتال من الدبابات وناقلات الجند وشاحنات محملة بالعتاد والعدة يعلوها الجنود، رافعين شارات النصر، وصوراً لقائد الجيش العماد ميشال سليمان، وعلامات الفخر والاعتزاز بادية على وجوههم وهم يرفعون على آلياتهم ودباباتهم صور شهداء الجيش.
وما إن بدأت قوافل الألوية العائدة من عربات وشاحنات ومدرعات ودبابات ورانجات وناقلات جند، بعبورها الأوتوستراد الدولي عند مستديرة العبدة قرابة الساعة الثانية ظهراً، حتى اندفعت الحشود مهللة وهي ترشق الجنود بالأرز والورد والعطور، رافعين الأعلام وإطلاق الزغاريد وإقامة حلقات الرقص والدبكة، وأخذ الصور التذكارية مع جنود الجيش العائدين، إضافة إلى إطلاق المفرقعات والأعيرة النارية ابتهاجاً. وكان لافتاً أن عدداً كبيراً من المواطنين، في منطقة البداوي، أقدم على نحر عشرات الخراف أمام قوافل الجنود العائدين، ومرغوا دماءها على آلياتهم وشاحناتهم، الأمر الذي أعاق حركة المرور على خطّي الأوتوستراد طيلة فترة عبور الجنود عليه، في الوقت الذي كانت فيه طوافات الجيش تجول في سماء المنطقة مرافقة الجنود في طريق عودتهم.
واستمرت وتيرة مشهد احتفال المواطنين بالنصر وعودة الجنود بالارتفاع التدريجي، ابتداء من محيط مخيم نهر البارد مروراً ببلدات بحنين والمنية ودير عمار والبداوي، وصولاً إلى محلة الملولة عند مدخل طرابلس الشمالي، ليتكرر المشهد عينه، حيث أعاقت الحشود الغفيرة لفترات عبور المواكب العائدة، عدا آلاف المواطنين الذين خرجوا إلى شرفات منازلهم على طول الأوتوستراد الدولي وهم يرمون الأرز والورود على الجنود الذين بادلوهم برفعهم شارات النصر، على وقع الزغاريد والأغاني الوطنية الحماسية، وإطلاق الرصاص والمفرقعات، والأناشيد الوطنية التي عزفتها موسيقى كشافة الجراح. السير في مدينة طرابلس توقف كلياً لحظة مرور قوافل الجيش، وترجّل السائقون والركاب من سياراتهم مصطحبين اطفالهم ونساءهم لالتقاط صور تذكارية مع الجنود الابطال.
وعند مستديرة شكا، على الاوتوستراد الدولي، تجمّعت حشود كبيرة جاءت من بلدة شكا ومن معظم قرى وبلدات قضاء الكورة، لإلقاء التحية على الجيش اللبناني، الذي ما كادت طلائعه تصل الى نقطة التجمع حتى فتحت عبوات الشامبانيا، وبدأت الصبايا بتوزيع الحلوى والمشروبات، إضافة الى نثر الأرز والورود على كل سيارة مارة تحمل على متنها جندياً لبنانياً. وعند مستديرة البترون، شق الموكب طريقه بصعوبة بالغة وسط الحشود المستقبلة، ونحرت الخراف على الطريق الدولي، وعقدت حلقات الدبكة وقرعت الطبول على وقع الأغاني والأناشيد الوطنية والحماسية وزغاريد النسوة.
وفي كسروان، كان موعد الجيش مع لقاء برتقالي في منطقة يسوع الملك حيث استقدمت عربات الخيل وعقدت حلقات الدبكة والسيف والترس.
وفي النقطة الاخيرة لمسيرة الجيش عند منطقة العمارة- عمارة شلهوب قطعت الطريق الدولية، من قبل جماهير المتن التي تجاوز عددها الخمسة عشر الف يتقدمهم الرئيس ميشال المر ووزير الدفاع الياس المر، وفي لحظة وصول الموكب اضيئت سماء المنطقة بالاسهم النارية وترجل من كان في مقدمة موكب الجيش من ضباط وافراد حيث عانقهم وزير الدفاع فرداً فرداً.
وفي سياق متصل، أقيم العديد من الاحتفالات الشعبية في النبطية وبعلبك إضافة إلى احتفالات عسكرية في وزارة الدفاع وفي قيادات المناطق العسكرية في بيروت وجبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع.
إلى ذلك، توالت المواقف المهنئة بانتصار الجيش لكل من: الرئيس عمر كرامي، رئيس «اللقاء الديموقراطي»، النائب وليد جنلاط، النواب إبراهيم كنعان ومصباح الأحدب وأغوب بقرادونيان، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الدكتور خالد حدادة، النائب السابق محمود عواد، رئيس حزب الشباب الوطني النائب السابق أحمد كرامي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، إضافة إلى عشرات الهيئات السياسية والثقافية والأهلية والتجارية.