جان عزيز
ثماني لاءات كبيرة، انتهى فريق السلطة إلى تسجيلها في محضر عمرو موسى، أو مرماه، بعد الجولة الرابعة من الاجتماع الرباعي الذي عقد أمس، برعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية، بين ممثلي الموالاة والمعارضة.
أولاً، لا لنظرية المثالثة في الحكومة المقبلة. رغم كل التسويق الإعلامي الذي قام به فريق السلطة عقب الاجتماع الرباعي الثاني في السابع من شباط الجاري، حول كيف أن موسى طرح الموضوع وتسلّح بموافقة الرئيس نبيه بري عليه، وكيف أن العماد ميشال عون تحفّظ حياله. والأهم أن رفض الموالاة أمس للفكرة، كان مبدئياً كلياً وقاطعاً، وهو ما تمثّل بسقوط صيغ رقمية عدة، كان موسى قد حملها أوراقاً في حقيبته.
ثانياً، رفض البحث في كيفية توزيع الحقائب الوزارية، أكانت السيادية منها، أم تلك الأساسية.
ثالثاً، رفض الإقرار بالإبقاء على ما يجب إبقاؤه من البيان الوزاري لحكومة فؤاد السنيورة، وتحديداً ما يتعلق منه بالقضايا الوطنية الكبرى. علماً بأن هذا البند ورد حرفياً وفي شكل جلي ضمن بيان المبادرة العربية المعلن عقب اجتماع القاهرة الثاني، في 27 كانون الثاني الماضي.
رابعاً، رفض إعطاء أي ضمانات، لا خطيّة ولا شفهيّة بشأن مبدأي التوازن في تأليف الحكومة المقبلة، أو التوافق على كيفية مقاربتها للقضايا الوطنية الأساسية. وهو المبدأ الذي كانت المعارضة قد طرحته في اللقاء السابق، لجهة الحرص على الموقع التوافقي، ودور الحكم لرئيس الجمهورية المقبل. فعمدت الموالاة إلى تسريبه في صيغة مطالبة عون بمنع وزراء الرئيس من التصويت في مجلس الوزراء. وهو ما عادت الموالاة وأسقطته في اليومين الماضيين، في الشكل والأساس.
خامساً، رفض الالتزام خطياً بأي مهلة زمنية واضحة أو محددة، تقوم الحكومة المقبلة ضمنها بإعادة تأليف المجلس الدستوري المعطّل منذ أكثر من عامين، علماً بأن مثل ذلك لا يمكن أن يفلت من أيدي الأكثرية القادرة على التحكّم باختيار نصف المجلس المذكور عبر حصة مجلس النواب، ومن ثم بحصة كافية للترجيح داخله، عبر مشاركتها في حصة الحكومة من اختيار أعضائه. ومع ذلك، أصرّت الموالاة على رفض الالتزام بأي إطار زمني لإعادة هذه المؤسسة الدستورية الضرورية لعمليتي التشريع والتمثيل الديموقراطي.
سادساً، لا لتضمين «شرعة التسوية» التي تطرحها المبادرة العربية، نصّاً خطيّاً يعيد التشديد على المناصفة والتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وهي مسألة رأتها الموالاة شكلية، متذرّعة بورودها أصلاً في الدستور واتفاق الطائف. لكن المعارضة أصرّت على تضمينها مجدداً نص التسوية، أولاً دحضاً لأي ربط خبيث بين المثالثة الحكومية وتلك المناصفة، وثانياً جسّاً منها لنيّات فريق السلطة حيال الآتي من الأيام.
سابعاً، رفض الصيغة المثلى لانتخاب رئيس الجمهورية المطروحة حالياً، من الناحية الدستورية، وخصوصاً أن اجتهادات كثيرة كانت قد طرحت في شأن ضرورة التعديل الدستوري أو عدمه، وبالأخص مع اقتراب افتتاح العقد العادي الأول لمجلس النواب، وما يمكن أن يثيره ذلك من ملابسات أو تعقيدات إضافية.
ثامناً وأخيراً، رفض الإقرار خطيّاً باعتماد قانون عام 1960 للانتخابات النيابية المقبلة، ذلك أن أقصى ما قبلت به الموالاة في هذا المجال، الإشارة شفهياً فقط، إلى مبدأ القضاء. وهو ما حاول عمرو موسى تسجيله في محضره، وفق صيغة «قانون انتخاب بناءً على ما نص عليه قانون 1960»، فلم تقبل الموالاة، فيما أصرّت المعارضة على وضوح النص.
هكذا انتهت الجولتان الثالثة والرابعة من الاجتماع الرباعي. ومع ذلك، خرج موسى ليعلن أنه «يعتقد بأنه حان الوقت لانتخاب رئيس». وهو ما مثّل مفاجأة كبيرة لقوى المعارضة، لجهة التناقض بين هذا القول وآلية تنفيذ المبادرة العربية. والمفاجأة كانت مضاعفة، بعدما عمد موسى طيلة ساعات الجولتين الثماني في المباحثات إلى تكريس بيانَي القاهرة، في 6 كانون الثاني و27 منه، إطاراً متلازماً للمبادرة، وبالتالي اعتبار تحقيقها مرتبطاً حكماً برزمة متكاملة من الإجراءات، رفضها فريق السلطة جملة وتفصيلاً. وكشفت أوساط المعارضة أن الأمين العام حاول أكثر من مرة تدوير زوايا رفض السلطة، وإيجاد صيغ تخفيفية له. لكن أحد ممثلي الموالاة لم يتردد في الإعراب عن انزعاجه من ذلك، طالباً بحدّة من موسى الإقلاع عن هذه المحاولات، وتسجيل رفضه المطلق في محضر اللقاء، على مسؤوليته.
لكن ماذا قصد موسى من «اعتقاده» هذا؟ هل هو مجرد إخراج إعلامي غير ناجح لفشله السياسي الواضح؟ أم أن المطلوب تغطية مسبقة لخطوة لاحقة قد تكون على الطريقة القيصرية؟ أم أن الأمر مجرد «قفشة» مصرية، يأمل منها صاحب العصا المفقودة أن تشقّ له يابسة جديدة لإدارة الفراغ من دون طوفان لبناني يطيح مبادرته وجامعته وقمته؟