صور ـ آمال خليل، لا من المسيحيين ولا من المسلمين؛ فإن حصلت مسألة بسيطة نحلّها، فإن ضخّمناها ضربنا العيش المشترك وهي مسؤولية الجميع».
وانعكاساً للجو الإيجابي، نال مرشحو حزب الله في الانتخابات النيابية التي جرت بعد أربعة أشهر في القرى السنية الحدودية ما نسبته 77 في المئة من مجمل الأصوات في مقابل 33 في المئة في انتخابات عام 1996؛ ومرد ذلك إلى وهج المقاومة والتحرير «الطازج» أولاً وتحالف الحزب مع بهية الحريري ثانياً. لكن خيبة قرى الشعب (مروحين ويارين والزلوطية وأم التوت والبستان والضهيرة) خلال ست سنوات تلت التحرير، انعكست ولو بنسب بسيطة مقاطعة في انتخابات عام 2005. ومع الأخذ بعين الاعتبار انضواء الجماعة الإسلامية ميدانياً في دعم المقاومة خلال عدوان تموز فيها، لكن ماذا تريد تلك القرى وماذا يراد منها وماذا بقي من خطاب السيد نصر الله بعد ثماني سنوات على إطلاقه في بنت جبيل المجاورة؟
يقول أحد فاعليات بلدة يارين إن أهالي هذه القرى «كانوا ينتظرون أكثر مما أعطاهم إياه حزب الله منذ التحرير إلى الآن، وفقاً لخطاب التحرير وما تلاه». وإذ يدركون أنه «ليس الدولة التي عليها المباشرة بالتنمية ورد المنطقة برمتها مجدداً إلى حضنها في الحقوق والواجبات»، فإنهم ينزعجون من «استمرار أسلوب الحذر الذي يتعامل به حزب الله مع الأهالي». لكن المصدر نفسه لا يقلل من «تداعيات اغتيال الحريري وانهيار العلاقات الشيعية السنية انعكاساً لخلاف حزب الله وحركة أمل مع آل الحريري، الذين بسطوا نفوذهم عبر الخدمات الاجتماعية التي تقدمها مؤسسة الحريري في البلدة، بالإضافة إلى الخدمات المتنقلة في القرى المجاورة والدعم المادي والمعنوي لهم، وخصوصاً لأهالي مروحين بعد المجزرة التي وقعت في بداية عدوان تموز».
ولم تأت معركة نهر البارد إلا لتزيد صب النار على الزيت التي كانت «تسري تحت الرماد في موقعها الجغرافي المحاصر بالقرى الشيعية». وحصل اقتحام الجيش اللبناني بعض المنازل المسكونة والفارغة من سكانها الذين يعيشون خارج المنطقة في يارين، واستطلاع المقبرة بعد معلومات عن نشاط بعض أبنائها في جماعات سلفية ومشاركتهم في القتال في المخيم ومصرع بعضهم، وهو ما لم يثبت. ثم جاءت الأحداث الأخيرة لتطفح بالحذر المتبادل بين قرى الشعب والجوار، إذ سارع الأهالي فيها إلى رفع صور سعد الحريري وشعاراته عن الجدران والأعمدة بدافع الخوف من ردة فعل المحيط.
وإذ لم تسجّل أي اضطرابات تذكر أو أي ترجمة لما يجول في الخواطر على الأرض حتى الآن، يواصل حزب الله، كالعادة، المبادرة إلى مد جسور «المحبة والأخوة» مع فاعليات قرى الشعب وأهاليها، بمناسبة أو بغيرها، عبر الاجتماعات واللقاءات المستمرة التي يستضيفهم فيها مسؤولو الحزب، وعلى رأسهم مسؤوله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق أو يستضيفونهم في قراهم. مع أن الأهالي يرون أن الحزب يمكن أن يبرهن عن محبته عبر خدماته الاجتماعية التي تملأ قرى الجوار عبر مؤسساته الصحية والتربوية والثقافية؛ وهي حاجات «تسد واقع الحرمان الذي لم ترفعه الدولة، والذي يميّز القرى التي كأنها في بعض مظاهرها لا تزال تعيش قبل خمسين عاماً». ويبقى العتب الأكبر لبقايا قوى اليسار في القرى التي «تجنّبها حزب الله مراراً، وآخرها في انتخابات عام 2005، علماً بأنها الأقدر على تلميع صورة حزب الله وحماية المقاومة في هذه القرى السنية».
لقاء الود الأخير الذي يأتي بعد أيام على انتهاء الأحداث الدامية، غلّف بذكرى عيد التحرير؛ فدعا الشيخ قاووق فاعلياتها ومخاتيرها إلى حفل استقبال في صور. وإذ قصد قاووق السلام على الحاضرين بحرارة فرداً فرداً في أماكنهم استقبالاً وتوديعاً، كرر في خطابه بإصرار على «أن ليس للمقاومة أي عدو وأي خطورة في الداخل، لأن عدونا الأوحد أميركا التي تريد أن تشعل الفتنة بين اللبنانيين، ونجحنا في إفشالها ونزعنا فتيل الفتن المذهبية والطائفية». ورأى أن «ما حصل من حوارات في الدوحة يؤكد بما لا يقبل الشك بأن الخلاف سياسي، إذ لم يكن نقاش سني وشيعي بل سياسي، وقد نجحت المقاومة في أن تسقط سلاح الفتنة، وليس في اعتبارها من لبناني مهزوم أو منتصر، لأن جميعنا ننتصر على الفتنة». وذكّر في ذكرى التحرير «بأننا لم نطرح أنفسنا بديلاً للدولة، ولم نتعاطَ بخلفية مذهبية أو طائفية، بل حرصنا على تنشيط مؤسسات الدولة، وحرصنا على منع المظاهر المسلحة وحماية أملاك المواطنين من دون تفريق بين سني وشيعي».
من جهتهم، تناوب على شكر المقاومة وسلاحها من حضر من الفاعليات التي لا تمثل بالطبع كل شرائح القرى، نظراً لمقاطعة بعض الوجوه البارزة كبلدية يارين الأكبر في محيطها والأكثر تأثيراً، وغياب أعضائها وعلى رأسهم رئيسها مدير الأخبار في قناة المستقبل حسين الوجه.
مختار بلدة يارين علي البردان الذي شكر المقاومة يرآ أن «سلاح حزب الله حرر الجنوب ونأى بنا وعائلاتنا عما تعيشه غزة وبغداد وباقي المدن العربية». أما أحمد حامد البردان باسم الفاعليات فيقول إن «على المقاومة أن تعلم بأننا لن نتنكر لتاريخنا المشرف، ولن نكون إلا مع من يحمل راية النضال أياً كان».