«لا عفو ولا من يعفون». هذه الجملة الثقيلة على آذان السجناء، والمخيبة لآمال أهاليهم، سترد قريباً في بيان رسمي ما، أو تخرج على لسان مسؤول، ليُعلن مرّة جديدة أنه في لبنان لا حسابات إنسانية محض، بل حسابات طائفية وسياسية أولاً وآخراً. هكذا، يُجمع أعضاء اللجان النيابية المختصة، ومعهم الناشطون والمتابعون لقضايا السجناء، على أن كل الكلام الذي أثير أخيراً عن عفو عام، أو عفو جزئي ومشروط، إنما كان «أضغاث أمنيات».
ما سبب ذلك؟ لماذا لم يتجرّأ أحد من المسؤولين على المجاهرة بقوة في طلب العفو، رغم ما تعانيه السجون من اكتظاظ فاق حدود الظلم، ومن أزمة «عقيمة» عنوانها التوقيف الاحتياطي (التعسفي)، التي تنسحب إلى أزمة أخرى، أشد «عقماً»، عنوانها التأخر في بت المحاكمات؟
الجواب، بحسب المسؤولين، عنوانه «قاعدة 6 و6 مكرر». فمنذ أثير موضوع العفو أخيراً، بعد أحداث سجن «رومية»، والذي كان يشمل المحكومين والموقوفين في قضايا مخدرات، شغّل النائب انطوان زهرا «محرّكه» باتجاه مجلس النواب، مطالباً بإعادة البحث في قانون تقدّم به قبل أكثر من سنتين، يقضي بالعفو عن جرائم الحق العام التي تعود إلى ما قبل 27 نيسان 2005، ما عدا تلك المحالة على المجلس العدلي والقضاء الدولي الجزائي. ويطاول قانون زهرا للعفو المتعاملين سابقاً مع العدو الإسرائيلي، بمن فيهم عناصر «ميليشيا» لحد، أو ما كان يُعرف بـ«جيش لبنان الجنوبي».
فعلها زهرا بضربة «معلم». فقد «جفلت» الأطراف الأخرى من المطالبة بالعفو المشروط أو سواه عن المتكدسين في رومية، تحاشياً لشموله العملاء، خصوصاً في ظل عدم وجود «صفقة» تحكم أي عفو في المرحلة الحالية، على غرار الصفقات التي حكمت قوانين العفو الصادرة بعد انتهاء الحرب الأهلية واتفاق الطائف، فبعد العفو الشهير عام 1991 الذي «طهّر» أمراء الحرب به أنفسهم، صدرت العديد من قوانين «صفقات» العفو، أبرزها عام 2005، عندما خرج سمير جعجع من السجن، في مقابل خروج بضعة أشخاص من الإسلاميين الذين كانوا ملاحقين في أحداث الضنية، ومعهم موقوفو ما عُرف آنذاك بشبكة مجدل عنجر. قبل ذلك، في عام 1997 تحديداً، صدر قانون عفو عن جميع جرائم المخدرات المرتكبة قبل 31/12/1995. وتردد آنذاك إن هذا العفو ما كان ليصدر لولا شموله نائباً سابقاً وابن رئيس جمهورية.
اليوم، بعدما «وضعه المسؤولون في الجو»، يقول رئيس لجنة متابعة قانون العفو في البقاع أحمد صبحي جعفر، إن ثمة «قطباً مخفية بشأن ما آلت إليه الأمور». ويضيف في حديث مع «الأخبار» إنه بسبب وجود «2000 شخص من ميليشيا لحد سيُظلم نحو 20 ألفاً من المطلوبين في البقاع، وعلى ما يبدو أن الجميع باتوا يخجلون من المضي في أي قانون عفو، لكننا لن نسكت وسننزل إلى الشارع بقوة ونرفع مطالبنا، فكيف يُعفى عمن قتل عناصر من الجيش سابقاً، ولا يُعفى عن أبنائنا، الله يلعن أبو الطائفية».
من جهته، أكد النائب زهرا لـ «الأخبار» أنه «لم يعد هناك حديث عن عفو، لكننا نتفاوض حالياً مع وزارة العدل بشأن آلية أخرى، تتلخص في إعادة المحاكمات للذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، شرط عدم حصول أي توقيف، وبعيداً عن السياسة». ويعزو زهرا سبب اللجوء إلى هذا الخيار الى «الابتعاد عن أي قانون عفو عشوائي».
وعلمت «الأخبار» أن اللجان النيابية بدأت تركز على دراسة قوانين تخفض بموجبها العقوبات عن المحكومين فقط. فبعد إقرار جعل السنة السجنية 9 أشهر بدل 12 شهراً، يدور نقاش حالياً حول ضرورة توسيع نطاق المستفيدين من هذا الخفض، لكونه يقتصر حالياً على جنايات معينة، ولا يستفيد منه إلا عدد قليل من السجناء.

السجناء الإسلاميون

الى ذلك، عاد ملف السجناء الإسلاميين إلى الضوء أخيراً، بعد إخلاء سبيل 3 منهم قبل أيام، وتوقع إطلاق آخرين قريباً. هؤلاء أيضاً خاب أملهم بعد معرفتهم أن لا عفو قريباً. يقول المتحدث باسمهم، الشيخ إيهاب البنّا إن «ما نطالب به اليوم هو توسيع الاستثناءات في موضوع خفض العقوبات، فلا يجوز أن يستفيد منه القاتل ولا يستفيد منه من دخل السجن بتهمة الإرهاب، وهذه التهمة الأخيرة تكون تارة بسبب حيازة قطعة سلاح، أو بسبب مشاركة مع مجموعة ما من دون تورط في شيء. فضلاً عن مشكلة المحكوم عليهم بالمؤبد، الذين لا يوجد الى اليوم نص يحدد استفادتهم من خفض للعقوبات، لكون عقوبة المؤبد غير محددة بسقف زمني».
ويبقى التأخر في محاكمات الإسلاميين إحدى أبرز المشاكل التي يعانيها هؤلاء، فالدولة لا تملك قاعة ذات مساحة كافية لمحاكمة هؤلاء، لذلك بوشر أخيراً في بناء «هنغار» بمحاذاة سجن رومية لإجراء المحاكمات داخله، لكن لا أحد يعلم متى ينتهي هذا البناء، وبالتالي يبقى مصير أكثر من 200 موقوف معلقاً.
من جهته، أكد عضو لجنة محامي الدفاع عن السجناء الإسلاميين، هاشم الأيوبي أن الأيام المقبلة «يفترض أن تشهد إطلاق نحو 35 شخصاً من موكلينا، لكن هذه الخطوات لا تحل المشكلة، فهناك أزمة فقدان المجلس العدلي نصابه، وهو المجلس الذي تقبع في أدراجه العديد من القضايا التي نتابعها».
هكذا، لا عفو عن السجناء، والسبب في رأي رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم أن «العفو لا يحل المشاكل، فضلاً عن أنه يتطلب دراية وتأنياً، ويمكن استبداله ببدائل أخرى». أما لماذا لم تستبدل قوانين العفو السابقة بهذه البدائل، فلا جواب. إذاً، ليس للسجناء سوى الدعاء لحصول «صفقة» ما في القريب العاجل.



14 قانوناً للعفو

صدر في لبنان 14 قانوناً للعفو منذ عام 1949، إضافة إلى مرسوم عفو خاص عن بعض ضبّاط الجيش السابقين عام 1991. تنوّعت هذه القوانين بين العفو العام (19/11/1949) والعفو عن الجرائم المرتبطة بأعمال عسكرية وفتن وحروب أهلية (24/12/1958 و 17/2/1969). ومن أبرز هذه القوانين العفو الصادر في 26/8/1991، الذي خُصص للجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية، والعفو الصادر عام 2005، الذي خرج سمير جعجع بموجبه من السجن. وصدر 5 من القوانين المذكورة بتواريخ مختلفة تتعلق بجرائم المطبوعات. وفي عام 1997 صدر عفو عام عن جرائم المخدرات المرتكبة قبل 31/12/1995 «مهما كان نوعها والأحكام الصادرة بشأنها».