إعداد: محرر الشؤون القضائية
تعدّ إفادات الشهود بشأن تحديد التواريخ بالغة الأهمية في القضايا الجنائية. يعود ذلك لسببين، أولاً، إن عدم تحديد التواريخ بشكل صحيح يساعد على تقويم صدقية الشاهد. ثانياً، إن تحديد التواريخ بدقة يتيح للدفاع تقديم الأدلة التي قد تكشف عدم وقوع الحدث. أما عدمه فيصعّب الاستعانة بشهود الحصر (alibi) الذين قد يقدمون بيانات تثبت أن المتهم كان بعيداً عن مكان وقوع الفعل المسند إليه.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا قد اتهمت الفريد موسيما بالضلوع في جرائم وقعت في مغارة نياكومومو عام 1994. لكن موسيما ادعى البراءة وأكد أن لديه شهود حصر (alibi) مستعدون للإدلاء بإفادات تثبت أنه كان بعيداً عن نياكومومو خلال الفترة الممتدة بين 30 أيار و10 حزيران 1994. لكن المحكمة الدولية رفضت إفادات شهود الحصر لأن «شهود» الادعاء لم يحددوا موعداً دقيقاً لوقوع الجريمة في نياكومومو، بل اكتفوا بالقول إنها وقعت «خلال أواخر أيار ومطلع حزيران».
في المحكمة الجنائية الدولية لسيراليون، سأل المحامي أبيبولا مانلي سباين (دفاعاً عن المتهم سانتيجي كانو) أحد «الشهود» المقنعين: «هل تعلم إذا حصل ذلك خلال عام 1999 أو خلال عام 2000؟ 1999 أو 2000؟». وجاء جواب الشاهد على النحو الآتي: «هذه الأشياء... أنا لا أفهم هذه الأشياء. عندما تقول لي 1990 أنا لا أفهم. أنا لا أقول حتى الشهور، أنا لا أفهم سوى الأرقام. أنا فعلاً لا أفهم شيئاً». (محضر جلسة 8 نيسان 2005 للنظر في قضية اتهام بريما وكامارا وكانو).
لكن بعض «الشهود» المقنعين في المحاكم الدولية قدّموا إجابات بشأن التواريخ ومنهم «الشاهد» المقنع رقم TF1-277 الذي أصرّ على أن بعض الأحداث وقعت يوم الاثنين 22 كانون الاول 1998 حتى بعدما أوضح فريق الدفاع أن 22 كانون الأول 1998 هو يوم ثلاثاء. (جلسة 8 آذار 2005 قضية AFRC). المحامي ميتزغر (دفاعاً عن المتهم بريما) سأله:

■ «قلت لنا إن هذه الأحداث وقعت يوم الاثنين 22 كانون الأول 1998. هل هذا صحيح؟ هل هذا مثبت؟
«الشاهد» TF1-277: نعم.

■ ميتزغر: أول شيء قلته هو أنك سمعت بأن المتمردين آتون الى لومبا في هذا اليوم، وبالتالي قرّرت مغادرة لومبا إلى واترلو، هل هذا صحيح؟
TF1-277: نعم، أكيد.

■ ميتزغر: حضرة الشاهد، أنت حدّدت التاريخ بيوم الاثنين 22 كانون الأول 1998. لماذا هذا التحديد الدقيق؟
TF1-277: لأن هذا التاريخ لن أنساه أبداً. لن أنساه لأن المنزل الذي كنا نحتمي فيه أحرق ولن أنسى.

■ ميتزغر: حددت أن ذلك حصل يوم الاثنين؟
TF1-277: نعم. نعم.
■ ميتزغر: هل ستفاجأ، حضرة الشاهد، إذا القيت نظرة على الروزنامة لتكتشف أن يوم 22 كانون الأول لم يكن يوم الاثنين؟ هل يفاجئك ذلك؟
TF1-277: ماذا؟ كان يوم الاثنين لأن يوم الثلاثاء كان 23 حين ذهبنا الى لومبا. وأنت تقول إنه لم يكن يوم الاثنين...

■ ميتزغر: أنت تقول يا حضرة الشاهد إن...
TF1-277: الأمر متروك لك بأن تقرّر.

■ ميتزغر: أنت تقول يا حضرة الشاهد إنني على خطأ وإنك على صواب. هذا هو دليلك، أليس كذلك؟
TF1-277: نعم.

■ ميتزغر: أنا أقترح، وسيثبت المحضر بأن 22 كانون الأول 1998 كان يوم ثلاثاء، ويوم 23 كانون الأول 1998 كان يا حضرة الشاهد يوم أربعاء. ماذا تقول؟
TF1-277: إن الأشخاص الذين حضروا كانوا مثقفين، وجلسنا معاً. وكنا معاً عندما وقعت الحادثة وكان ذلك يوم الاثنين حين غادرنا وذهبنا الى واترلو وعدنا صباح يوم الثلاثاء الى رومبا.

■ ميتزغر: حضرة الشاهد، ألا توافقني بأن المثقف وغير المثقف لا يمكنه تغيير أيام الأسبوع؟
TF1-277: نعم، أكيد. بعض الأشخاص ينسون. إن العقل ليس دائم الدقة، وفي بعض الأحيان يعجز العقل.

■ ميتزغر: حضرة الشاهد، نحن نتحدث عنك وعن إفادتك. أليس كذلك؟ أنت تقول إن 22 كانون الأول 1998 كان يوم الاثنين؟
TF1-277: هذا ما أذكره. هذا ما أذكره.

■ ميتزغر: وهل ما زلت تذكر هذا؟
TF1-277: نعم ما زلت أذكر أن 22 كانون الأول 1998 كان يوم الاثنين».
أما «الشاهدة» المقنعة رقم TF1-085 التي استند إليها الادعاء لاتهام اليكس بيرما في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون، فسألتها المحامية غلينا تومسون:

■ «... ذكرتِ للادعاء أن المتمردين حضروا الى منزلك يوم 5 كانون الثاني عام 1999، أليس كذلك؟
«الشاهدة» TF1-085: نعم.

■ تومسون: أنت تذكرين 1999؟
TF1-085: نعم.

■ تومسون: قلت إن المتمردين حضروا الى منزلك يوم الخميس 5 كانون الثاني 1999. هل تذكرين؟
TF1-085: نعم.

■ تومسون: هل ذكرتِ لهم أن المتمردين حضروا الى منزلك يوم 6 كانون الثاني؟
TF1-085: نعم.

■ تومسون: أيهما التاريخ الصحيح؟
TF1-085: حضروا الى منزلنا يوم 5 وقبضوا عليّ يوم 6.

■ تومسون: حسناً. هل أنت متأكدة من أن يوم 5 كانون الثاني هو يوم الخميس؟
TF1-085: نعم.

■ تومسون: هل يفاجئك أن يوم 5 كانون الثاني 1999 هو يوم ثلاثاء؟».
وطلبت تومسون من قضاة المحكمة العودة الى الصفحة الرقم 6456 من محضر تحقيق مكتب المدعي العام، حيث ورد أن الشاهدة أفادت بالآتي: «حضر المتمردون الى منزلنا صباح يوم 7 كانون الثاني الساعة التاسعة صباحاً» لا يوم 5 كانون الثاني (محضر جلسة 7 نيسان 2005 في قضية اتهام بريما وكامارا وكانو).
«سي جي ام» شاهد مقنّع آخر لصالح الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أقر أمام قضاتها بأن حدثاً ما وقع «الشهر الماضي»، مؤكداً أن ذلك يعني مطلع شهر حزيران، مضيفاً «لأننا حالياً في شهر حزيران». فتدخل القاضي ليصحح الأمر قائلاً «نحن الآن في شهر أيلول». (محضر جلسة 15 أيلول 2003 قضية اتهام نديندا باهيزي). أما الشاهد عمر سيروشاغو فكان قد ذكر في إفادته الى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا بأن «العقيد روينديي كان حاضراً في اجتماعين عقدا لفرق الموت عامي 1993 و1994». بينما قدّم الدفاع أدلة واضحة تؤكد أن العقيد روينديي توفي عام 1990. وعلى رغم أن سيروشاغو رفض أدلة الدفاع، أقرّ بأن العقيد مات أواخر عام 1992، وغيّر إفادته مدعياً أن الاجتماعين عقدا عامي 1992 و1993. (جلسة 27 تشرين الثاني 2001 في قضية اتهام ناهيمانا).
لا تقتصر المعلومات غير الصحيحة التي يدلي بها الشهود في المحاكم الدولية على تحديد التواريخ، بل تشمل كذلك تحديد المسافات. سأل القاضي سيبوتيندي في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون «الشاهد» المقنع رقم TF1-024:

■ «إذا نظرت الى حجم هذه القاعة، هل بإمكانك القول إن المطبخ (المكان الذي ادعى «الشاهد» أنه مسرح جرائم) هو بالحجم نفسه؟
الشاهد TF1-024: كلا، إنها طويلة لكن ليست عريضة. أطول من هذه القاعة. ومربّعة.

■ القاضي: تقول إن مساحة المطبخ تساوي نصف مساحة هذه القاعة؟
TF1-024: هذه القاعة أوسع بقليل من المطبخ.

■ القاضي: بأيّ قدر كان المطبخ أصغر من هذه القاعة؟ هل كان المطبخ بنصف حجم هذه القاعة؟
TF1-024: النصف، بالضبط النصف.

■ القاضي: هل كان المطبخ يساوي ربع مساحة هذه القاعة؟
TF1-024: الربع تقريباً، نعم». (محضر جلسة 8 آذار 2005 للنظر في قضية اتهام بريما).




استجواب الشهود في محكمة الحريري

يختلف نظام المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين (المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان) عن أنظمة المحاكم الدولية الأخرى لجهة تسلسل الإجراءات خلال جلسات استجواب الشهود، حيث منح القاضي رئيس الغرفة صلاحية استجواب الشاهد قبل غيره، أي قبل الادعاء والدفاع. إذ جاء في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنه «ما لم تقرر الدائرة الابتدائية خلاف ذلك لمصلحة العدالة، يبدأ استجواب الشهود بأسئلة يطرحها القاضي الذي يرأس الجلسة، تعقبها أسئلة يطرحها أعضاء الدائرة الآخرون، والمدعي العام، والدفاع» (الفقرة الثانية من المادة 20). أما قواعد الإجراءات والإثبات فحددت أنه «بعد الاستماع الى التصريحات التمهيدية للفريقين أو أي متضرّر مشارك في الإجراءات، يُستجوب كلّ شاهد أوّلاً من قبل القاضي رئيس الغرفة وأي عضو آخر من الغرفة، ثم من قبل الفريق الذي استدعى الشاهد. ويخضع بعدها لاستجواب مضاد من الفريق الآخر إذا اختار هذا الفريق ممارسة حقه في الاستجواب المضاد. للفريق الذي استدعى الشاهد أن يعيد استجوابه» (الفقرة ألف من المادة 145).
لكن بعد مراجعة بعض أداء القاضي البريطاني في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والإشارات التي تضمنتها عن سعيه إلى التدخل لحماية صدقية «الشهود» الذين استند الادعاء العام الدولي الى أقوالهم، قد توفر إجراءات المحكمة الخاصة بلبنان هامشاً واسعاً لانحياز القضاة، وخصوصاً في ظلّ غياب المتهمين مقابل حضور «المتضررين».