اجتزأ السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري حقيقة خطف اثنين من مواطنيه. إذ أعلن تحريرهما بعدما «خطفتهما عصابة تنتمي لدولة عربية»، متحدثاً عن «خداع واستدراجٍ واحتجاز» تعرّض المخطوفان له. كما زعم العسيري أن مواطنيه تعرّضا للتعذيب على أيدي الخاطفين.
والحقيقة أن العسيري لم يجتزئ فحسب، بل نسج سيناريو الخطف مهملاً أن أفراد العصابة المفترضة والمخطوفَين السعوديين كانوا أصدقاء. كما لم يأت على ذكر الأعمال التي مارسوها سويّاً، واختلق قصة التعذيب ليُخفي حقيقة قفز مواطنيه من على الشرفة لدى دهم القوى الأمنية للشقة التي كانا فيها، ما أدى إلى إصابتهما واستدعى إدخالهما المستشفى.
فبحسب مصادر أمنية واسعة الاطلاع، هكذا بدأت القصة: كان العراقيون الأربعة (ثلاثة رجال وامرأة) والسعوديان منغمسين في أعمال وأفعال مخالفة للقانون ومسيئة لصورتهم. حصل خلاف في ما بينهم، فقرر العراقيون سرّاً تصوير السعوديين في وضعيات مشبوهة. وقد تمكنوا من ذلك بالفعل، فعملوا على تهديدهما بنشر الصور إذا لم يدفعا لهم المال. سلّم السعوديان مبتزيهم ما كانا يحملانه من أموال، لكن المبلغ لم يكن كافياً. اتصل «المخطوفان» بذويهما طالبين تحويل مبلغ 75 ألف دولار إلى أحد المصارف. أبلغ الأهل السفارة التي أبلغت بدورها القوى الأمنية. جرى التنسيق فأُرسلت الأموال إلى المصرف. رُصد المصرف الكائن في منطقة الحمرا، وما أن دخل اثنان من العراقيين قرابة الثانية إلا ربعاً من بعد ظهر أمس، حتى أطبقت القوى الأمنية عليهما وأوقفتهما. إثر ذلك، أُخضع الموقوفان للاستجواب فأدليا بما لديهما من معلومات وأرشدا القوى الأمنية إلى الشقة الكائنة في دوحة الحص. وأثناء دهم القوة الأمنية للشقة، فوجئ عناصرها بقيام السعوديين بالقفز من على الشرفة ما أدى إلى إصابتهما برضوض وكسور متفرّقة. استُكملت التحقيقات بعد الاستماع إلى إفادة السعوديين، فيما بقي رجل وامرأة عراقيان متواريين عن الأنظار.
هذه الرواية تُفسّر سبب تأخّر إبلاغ القوى الأمنية بحادثة الخطف، فقد ذكر البيان الصادر عن شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي أن عملية الخطف حصلت في السادس عشر من الشهر الجاري بحسب المعلومات الواردة إلى القوى الأمنية في 23/4/2012، أي أنه لم يصر إلى الإبلاغ عنها إلا بعد مرور سبعة أيام على الخطف.
وفي وقت ذكر البيان أنه لدى تفتيش الشقة، عثر في داخلها على «صاعق كهربائي كان يُستخدم للتهديد والتعذيب»، نفت مصادر مطّلعة على التحقيق وجوده في الأساس.
وفيما كان البحث لا يزال جارياً لتوقيف الشريكين الفارّين، استعجل السفير السعودي الإعلان عن تحرير السعوديين اللذين «خطفتهما عصابة تنتمي لدولة عربية». أوضح أن «العصابة» خطفت مواطنيه بعد خداعهما واستدراجهما، واحتجزتهما في شقة سكنية في إحدى المناطق المتاخمة لمدينة بيروت. وأشار إلى أنها قامت بتعذيبهما لمدة ثمانية أيام وطالبت ذويهما في المملكة العربية السعودية بدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاقهما. ولفت السفير السعودي إلى أن «مهارة الأجهزة الأمنية اللبنانية العالية في تعقّب الخاطفين»، أدت إلى كشف الشقة التي اعتقل فيها السعوديان وتحريرهما. ودعا السعوديين الذين يزورون لبنان للسياحة أو للإقامة الى ضرورة الحرص في تنقلاتهم وتوخي الحيطة والحذر وعدم الاقتراب من المناطق الحدودية، من دون أي تفسير لإقحام المناطق الحدودية بالموضوع. كما حضّهم على عدم الثقة المفرطة بما يعرض عليهم من خدمات، مشدداً على ضرورة السكن في الفنادق المعروفة والإبتعاد عن الشقق الخاصة.