طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
لم يكد سكان طرابلس يخرجون من صدمة اشتباكات شارع المئتين ومنطقة الزاهرية بين الجيش ومسلحين يشتبه في انتمائهم إلى «فتح الاسلام» قبل نحو شهر، حتى تجدّدت الاشتباكات في منطقة أبي سمراء، معيدة أبناء المدينة إلى جو من الخوف مترافق مع نزوح عدد من العائلات خلال اليومين الماضيين من منطقة أبي سمراء، هرباً من الاشتباكات


بدأ الجيش مساء أول من أمس عملية عسكرية في محلة أبي سمراء شرقي طرابلس، انتهت قرابة التاسعة والنصف من صباح أمس، بعدما أسفرت عن استشهاد أحد جنوده وآخر من الأمن الداخلي وابنتيه وأحد أقاربه، ومقتل 6 مسلحين. وكانت الحادثة قد انطلقت عندما دهمت قوّة من الجيش، قرابة السادسة من مساء أول من أمس، منزل عمر ح. في محلّة أبي سمراء، بالقرب من نزلة الخنّاق، وهو موقوف منذ ستّة أيّام لدى مخابرات الجيش، حيث عثر في المنزل والمحل الموجود تحته على صواعق وأسلحة حربية وقذائف «آر. بي. جي»، وكمية كبيرة من الأسلحة المختلفة قدّرت بحمولة بشاحنة.
وأعقب حملة الدهم تلك، عملية مشابهة نفّذها الجيش قرابة العاشرة من الليلة نفسها، بدهمه منزلاً في مجمّع الشهّال الكائن خلف مدرسة البيان الرسمية، في الشارع الممتد من ساحة الضنّاوي وسط المحلّة باتجاه بساتين الزيتون، إثر توافر معلومات عن وجود مسلحين مشبوهين في أحد منازل المجمّع المذكور.
وخلال المداهمات أطلقت عناصر مسلحة النّار باتجاه الجيش الذي استقدم تعزيزات، وفرض طوقاً أمنياً حول المنطقة وصولاً إلى مشارف منطقة الكورة، بعد تسرّب معلومات عن احتمال تسلل المسلحين وفرارهم إليها عبر بساتين الزيتون، فدهمت أماكن وجود المسلحين في المجمّع الذي أخلي من سكانه المدنيين، الذين نزحوا من المنطقة وسط حالة هستيرية، إثر انتشار شائعات عمّت المنطقة عن أنّ مسلّحي «فتح الإسلام» انتشروا في المدينة، وأنّهم يستعدّون لبسط سيطرتهم عليها!
لكنّ الجيش الذي فوجئ أثناء حملة الدهم بإطلاق نار كثيف باتجاهه، اضطر إلى استقدام تعزيزات إضافية، وفرض طوقاً أمنياً حول المبنى المكوّن من ستّ طبقات، حيث كان المسلحون يتمركزون في شقة كائنة في الطابق الخامس منه، فحصل تبادل لإطلاق النّار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، إلى أن تمكّن الجيش في نهاية المطاف من إسقاط 6 أفراد من المجموعة قتلى، في مقابل استشهاد جندي للجيش اللبناني، وإصابة 12 جندياً بجروح، أحدهم جروحه خطرة.
كذلك استشهد في العملية المؤهّل في قوى الأمن الداخلي خالد خضر، الذي كان يقيم في المبنى ذاته، ووالد زوجته محمد ديب، وابنتاه (إحداهما تبلغ 4 سنوات) على يد المسلحين الذين أخذوه ومن معه رهائن، خاصةً بعد اشتباههم في تعاونه مع الجيش.
وأوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ «اثنين من المسلحين الذين قتلوا في اشتباكات أمس هما سعوديان إضافة إلى شيشاني واحد ودانماركي ولبنانيين». وأضافت المصادر أن الجيش أوقف ثلاثة مسلحين. وفي وقت لاحق قبضت قوة من الجيش على اللبناني بسّام س. وزوجته بعد فراره من مكان الاشتباك قبل وقوعه.
وأوضح شهود عيان لـ«الأخبار» أنّ بسام، الذي يملك الشقة التي يقيم فيها المسلحون، يملك أيضأ محلاًّ لبيع المرطبات والعصير في المحلة، وأنّه ينتمي إلى أحد التيّارات السلفية، وأنه عكف في الأيام الأخيرة على شراء كمّيات كبيرة من المواد الغذائية، إذ كان يشتري يومياً من أحد محال السمانة القريبة من المجمّع السكني عشر ربطات من الخبز، فضلاً عن أنواع عديدة من المعلبات والسلع الغذائية.
بيان قيادة الجيش
وأمس، أصدرت مديرية التوجيه في الجيش بياناً أوضحت فيه أنّ قوة عسكرية دهمت بعد ظهر أول من أمس «مخزناً للأسلحة في حي أبي سمراء ـ طرابلس، وضبطت بداخله كمية كبيرة من الأسلحة والأعتدة العسكرية، شملت بنادق حربية ورشاشات وقاذفات «ب 7» وقنابل يدوية متنوعة، وقذائف إينرغا وذخائر مختلفة، إضافة إلى جعب ومناظير وألبسة عسكرية وخيم وأجهزة هاتف لاسلكي وكمبيوتر».
وأضاف البيان أنّه «لدى قيام قوة أخرى من الجيش ليل (أول من) أمس بدهم مبنى يقع ضمن الحيّ نفسه، بعد توافر معلومات عن وجود شقّة مشبوهة داخله، تعرضت هذه القوة لإطلاق نار من عناصر مسلحة حاولت اعتراضها ومنعها من تنفيذ مهمتها، وقد حرصت الوحدات العسكرية على إخلاء المدنيين من المبنى قبل اقتحامه حفاظاً على أرواحهم، ممّا أدّى إلى وقوع عدد من الإصابات في صفوف العسكريين، وبعد إخلاء المبنى المذكور من سكانه، تمّ اقتحامه فجر اليوم (أمس)، والقضاء على المسلحين كافة الذين كانوا يتحصنون بداخله، ومعظمهم من غير اللبنانيين والذين اتخذوا من قاطنيه دروعاً بشرية لهم، وقد سقط للجيش من جراء هذه الاشتباكات شهيد وعدد من الجرحى بين ضابط وعسكري، كذلك سقط عدد من الشهداء المدنيين نتيجة غدر هؤلاء المسلحين بهم، وقد صودرت كمية من الأسلحة والأعتدة العسكرية، ومعدات خاصة بالتفخيخ الإلكتروني». وأضاف البيان أنّ قيادة الجيش «تؤكد مرّة جديدة إصرارها على قطع دابر الإرهاب أنى وجد وإلى أي جهة انتمى».
وبرزت تساؤلات عما إذا كان المسلحون الذين قضوا في اشتباكات أبي سمراء ينتمون إلى حركة «فتح الإسلام» أم الى مجموعة أخرى تتقاطع جزئياً أو كلياً مع «فتح الإسلام».
عدا كلّ ذلك فإنّ أهالي المدينة قلقون لاحتمال وجود خلايا كثيرة نائمة تابعة لها في أكثر من منطقة، إضافة إلى تخوف المراقبين من أن تعمل بعض التنظيمات على أن يكون لبنان ساحة فعلية لـ«جهادها». كذلك، فقد كان لافتاً ما عبّر عنه بشكل غير مباشر بيان قيادة الجيش الذي نبّه المواطنين إلى «مخاطر تسلل الإرهابيين إلى صفوفهم»، داعياً إياهم إلى «وجوب إبلاغ قوى الجيش بأسرع وقت ممكن عند وجود مشبوهين في أحيائهم السكنية، أو في محيط قراهم وبلداتهم، حفاظاً على أمنهم وسلامتهم».
غير أنّ كل ذلك استدعى تساؤلاً موازياً لكلّ هذه المخاوف، وهو متعلق بالتهديد الذي أطلقته حركة «فتح الإسلام» منذ بدء الاشتبكات، من أنّها ستنقل المعركة من مخيّم نهر البارد، إذا لم يتوقف الجيش عن قصفه، إلى مدينة طرابلس وكل المناطق اللبنانية الأخرى، الأمر الذي يستدعي التدقيق بمدى الامتداد الحقيقي لهذا التنظيم في لبنان، أو للتنظيمات المرتبطة به في حال وجودها.