عمر نشابة
«من المستحيل أن تقوم الدولة اللبنانية بأكثر مما تقوم به لحفظ الأمن وحماية المواطنين»، قال أحد المسؤوليين رداً على الانتقادات التي تتعرّض لها حكومة فؤاد السنيورة. إن «اجتثاث» خدعة المستحيل يتطلّب تميزها عن المستحيل عبر تشخيصه. الاستقرار المفاجئ للوضع الأمني أمر مستحيل، والقبض على المجرمين والمتعاونين معهم بين ليلة وضحاها مستحيل أيضاً، وضبط الحدود بشكل كامل بين سوريا ولبنان أيضاً مستحيل. لكن التعاون والتنسيق مع الدولة العربية المجاورة للبنان لضبط المتسلّلين والتهريب مهمة ممكنة لا بل واجب على الحكومتين اللبنانية والسورية. وإذا كان لبعض السياسيين اللبنانيين شكوك في ضلوع سوريا بمسلسل الإجرام الذي يطاول لبنان، فمن المفترض أن يضعوها جانباً حتى صدور حكم المحكمة أو على الأقلّ حتى صدور القرار القضائي الاتهامي.
إن تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلّم إثر لقائه نظيره الإيطالي ماسيمو داليما في دمشق قبل نحو أسبوع وصول عناصر «من العراق عبر الأراضي السورية بمسمّيات مختلفة» وانتشارهم «في سوريا ولبنان» تصريح لافت. إذ يعترف المعلّم بإخفاق الجيش وقوى الأمن السوريين في ضبط المتسلّلين (غير الـ24 الذين أعلن توقيفهم) دون أن يتحدّث عن مراجعة أو محاسبة أو إجراءات ستتّخذها السلطات السورية لتطوير قدرتها على منع التسلّل الحدودي. كما أُثيرت إخفاقات المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية وفشل حكومة السنيورة في حماية المواطنين من الإرهاب، كذلك، والتزاماً بالمعايير المهنية، ينبغي إثارة إخفاقات الجيش السوري والمؤسسات الأمنية السورية في حماية الحدود وضبط المتسللين عبرها. وانسجاماً مع الخطّ القومي العربي الذي تقول سوريا إنّها تلتزمه، من المفترض أن تقوم السلطات السورية بأقصى الجهود لحماية لبنان من الإرهاب. كما يُفترض بها أن تلتزم تعهداتها تجاه جامعة الدول العربية.
وكان مجلسا وزراء الداخلية والعدل العرب قد اعتمدا الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب في 22-4-1998. ويتناول الفرع الثاني من نصّ الاتفاق التعاون العربي لمنع الجرائم الإرهابية ومكافحتها. وتنصّ المادة الرابعة من الاتفاق: «تتعاون الدول المتعاقدة لمنع الجرائم الإرهابية ومكافحتها، طبقاً للقوانين والإجراءات الداخلية لكل دولة، من خلال تبادل المعلومات، وتتعهّد الدول المتعاقدة تعزيز تبادل المعلومات في ما بينها حول: أ ـ الأنشطة والجرائم للجماعات الإرهابية وقياداتها وعناصرها وأماكن تمركزها وتدريبها ووسائل ومصادر تمويلها وتسليحها وأنواع الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي تستخدمها، وغيرها من وسائل الاعتداء والقتل والدمار. ب ــ وسائل الاتصال والدعاية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية وأسلوب عملها، وتنقلات قياداتها وعناصرها، ووثائق السفر التي تستعملها». لماذا لم تتوافر معلومات لدى الأمن السوري عن الأشخاص الذين عبروا الحدود السورية ـــــــ العراقية ثمّ انتقلوا الى لبنان وتحديداً الى مخيم نهر البارد وقاموا لاحقاً بالاعتداء على الجيش اللبناني؟ واذا كانت هناك معلومات أو حتى شكوك، فلماذا لم تحاول السلطات السورية الاتصال بالسلطات اللبنانية أو إعلام رئيس الجمهورية اللبنانية بالأمر؟
المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب تذكر «تعهُّد الدول المتعاقدة، بالتعاون في ما بينها وتبادل المعلومات لمكافحة الجرائم الإرهابية، وأن تبادر بإبلاغ الدولة أو الدول الأخرى المتعاقدة بكل ما يتوافر لديها من معلومات من شأنها أن تحول دون وقوع جرائم إرهابية على إقليمها أو ضد مواطنيها أو المقيمين فيها أو ضد مصالحها». ألم يعرّض تسلّل أشخاص يُقال إنّهم يعملون لمصلحة تنظيم «القاعدة» الى الأراضي السورية ومنها الى الأراضي اللبنانية المواطنين للاستهداف الإرهابي؟
إن عدم تمكّن المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية من القبض على المتسلّلين هو إخفاق في حماية المواطنين اللبنانيين والسوريين. ألم يتعهّد وزيرا العدل والداخلية السوريان أن تساعد سوريا مثل غيرها من الدول العربية، «في القبض على متهم أو متهمين بارتكاب جريمة إرهابية ضد مصالح تلك الدولة (لبنان)، أو الشروع أو الاشتراك فيها سواء بالمساعدة أو الاتفاق أو التحريض»؟
أما في مجال التحرّيات وأعمال التحقيق، فقد تعهّدت الدول العربية المتعاقدة بما فيها سوريا ولبنان «تعزيز التعاون في ما بينها، وتقديم المساعدة في مجال إجراءات التحري والقبض على الهاربين من المتهمين أو المحكوم عليهم بجرائم إرهابية وفقاً لقوانين كل دولة وأنظمتها (...) كما تتبادل ما لديها من خبرات في مجال المكافحة». وفي هذا الإطار كان يمكن أن تطلب الحكومة اللبنانية من الدولة السورية مباشرة أو عبر جامعة الدول العربية، حماية حدودها وحدود لبنان من تسلّل الأشخاص المشتبه في تشكيلهم خطراً أمنياً معادياً للجيش والمواطنين اللبنانيين. فالحكومة السورية تعلم جيداً أن الجيش اللبناني وقف الى جانب المقاومة التي دافعت، في وجه الجيش الإسرائيلي، عن لبنان وعبره عن «العمق العربي» الذي تتقدمه سوريا، جغرافياً على الأقل.
واذا كانت هناك صعاب عملية ولوجستية في مراقبة الحدود وفرض السيطرة الكامة لقوى الشرعية على كل المنافذ، فلا بد من التعبير عن استياء المواطنين اللبنانيين والسوريين من أداء الجيشين وقوى الأمن في الدولتين.