بلال عبودتتّجه منى لويس من مكان عملها في المعهد الفني في الدكوانة إلى منزلها في الروضة. في الطريق طلب منها سائق سيارة كانت تسير بقربها أن تتوقف جانباً مشيراً إلى شيء ما في سيارتها. ظنّت في البداية أنه يريد أن يخبرها بأن إطاراً قد ثُقِب. ركنت سيارتها جانباً وترجلت منها، وهو ما فعله السائق «فاعل الخير» ليخبرها أن زيت المحرك يتسرب من «الإشَبمان». لم تعرف معلمة اللغة الإنكليزية ما يتحدث عنه السائق «خالد»، بسبب جهلها بأمور ميكانيك السيارات. وازداد خوفها من حصول مشكلة خطيرة في سيارتها بعدما عرّف السائق عن نفسه بأنه صاحب كاراج لإصلاح السيارات، مستغرباً منها كيف تقود السيارة في مثل هذه الحالة، وبدأ يخبرها عن الضرر الذي قد يلحق بالمحرك نتيجة ذلك. أكّدت منى لخالد أنها تهتم بالسيارة بقدر ما تعرف من تعبئة ماء وزيارة في كل شهرين إلى مركز الصيانة، لافتة إلى أنها لم تلاحظ أي اختلاف في عمل سيارتها.
عرض خالد المساعدة، وبدأ يكشف على «العطل» إلى أن أخبرها أن هناك قطعة مطاطية توصل المحرك بـ«الراديتور» يجب تغييرها. لم يكتفِ خالد بتحديد العطل، بل عرض أن يوصل السيدة بسيارته إلى محل قريب لشراء القطعة المطلوبة، وهو ما حصل. بعدها، ركّب «الرجل الخدوم» القطع الجديدة بنفسه، مضيفاً قطعة أخرى كان يحملها في سيارته.
شكرت منى للرجل خدماته، وسألته عن أجرته، فاكتفى بالحد الأدنى الذي يأخذه عادة، إضافة إلى ثمن القطعة التي قدمها من سيارته، وهو ما مجموعه 140 دولاراً أميركياً، فضلاً عما دفعته هي في محل قطع الغيار. في اليوم التالي أخذت السيدة لويس السيارة إلى المكيانيكي الذي تعتمده، مع القطع القديمة التي بدّلت، لتكتشف أنها لا تزال في أفضل حال، وأن ما تعرضت له كان عملية نصب.
هذه الحادثة ليست الوحيدة. كانت جهينة تقود سيارتها على طريق المطار، عندما أوقفها سائق ليقول لها إن «رادياتور» سيارتها «يهرّب» المياه، وإن «جوان الكولاس» بخطر. التعابير التي لم تفهمها كانت كفيلة لإشعارها بالخطر الداهم الذي يحدق بسيارتها. لكن الخلاص كان بأن فحص الشاب الخيّر سيارتها، وقال إن المشكلة بسيطة، فـ«صبّاب الحرارة» معطّل. بدّل الصباب، وعندما رأى زوجها «الصباب» القديم لاحقاً، أيقن أن جهينة دفعت 50 دولاراً لنصّاب لم يفعل شيئاً.
السيدات لسن وحدهن المستهدفات. فأبو يوسف إبراهيم، الرجل الستيني الذي كان يقود سيارته على أوتوستراد خلدة، عندما طلب منه شخص التوقف بسرعة لأن عجلة سيارته تهتز بشكل مخيف. قدّم الرجل المجهول مساعدته الفورية للرجل المسن «منقذاً حياته» من خطر خروج الإطار من مكانه، مما قد يؤدي إلى انقلاب السيارة. مباشرةً، عرض الشاب المجهول تغيير قطعة في المكان الذي يُثَبَّت فيه الدولاب، فوافق أبو يوسف ودفع ثمن القطعة الجديدة فوراً، ليكتشف لاحقاً أن شيئاً لم يتغير في سيارته وأنه تعرّض للخداع.


القانون لا يملك عيوناً

يؤكد أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية الدكتور أحمد الجندي أن ضرباً من ضروب الاحتيال قد حصل في الحالات المذكورة. لكن من الناحية القانونية، لم يرتكب «النصّابون» أي مخالفة. فهناك نوع من العقد أو الاتفاق حصل بين الطرفين، وإن كان غير مكتوب، لكن تطبق عليه الشروط القانونية نفسها للعقود، وأولها أن «العقد شريعة المتعاقدين». مثل هذه الحالات التي تتكرر أكثر من مرة في شوارع لبنان يضعها الجندي في خانة تطوّر وسائل الاحتيال على القانون، وبما أن ضحايا مثل هذه الحالات قد اشتروا «الخدمات» أو القطع بإرادتهم، فلا يمكن أن يستفيدوا من تقديم شكوى جزائية، وخاصة أن تكاليفها ستكون أعلى من المبلغ الذي خسروه. ولا يبقى أمام هؤلاء الأشخاص إلا أن يتعلموا الدرس بالطريقة الأقصى، «فالقانون لا يملك عيوناً»، بحسب الجندي، بل يتعاطى بالأدلة والوقائع. ومن يقومون بمثل هذه العمليات يدركون جيداً الواقع القانوني، ويستغلون عدم معرفة الآخرين لينفّذوا حيلتهم.