تتكرر حالات «الخطف» أو «الاختفاء» أخيراً. وفيما تبدو أمور كهذه مريبةً في بداية الحديث عنها؛ تؤكد الأحداث اليومية وتقارير أمنية أنها توشك أن تصبح أمراً شبه واقع: فتيات وشبّان ومسنّون أيضاً، يتعرضون للخطف «المؤقت»
أحمد محسن
كانت أبرز حالات الاختفاء أخيراً حادثة اختطاف المهندس في شركة طيران الشرق الأوسط، جوزف صادر، أثناء توجّهه إلى عمله في مطار رفيق الحريري الدولي، صباح الخميس 12 شباط الماضي. توالت البيانات والرحلات الإعلامية إلى منزل المهندس في بلدة مغدوشة، من دون ظهور أي معلومة في الأفق. لا شيء سوى الحكايات الكثيرة، حول الرجل، الذي لاحقته الشائعات أيضاً.شائعات يستحيل إثبات صحة أي جزء من أجزائها، إذ إن الأيام تثبت جمود التحقيقات. اختفى الرجل. لحق ذلك حادثة أخرى، لا تتشابه في التفاصيل، إنما حازت هي الأخرى ضجيجاً إعلامياً، بعد نجاح القوى الأمنية بمساعدة حزب الله، في تحرير الفتى أمين الخنسا، الذي اختطف أثناء انتظاره باص المدرسة. ويبدو أن تواتر هذه الحوادث حفز كثيرين على القيام بأعمال مشابهة (راجع عدد «الأخبار» الثلاثاء ١٤ نيسان ٢٠٠٩).
وفي الحديث عن جدية هذه الحوادث، أوردت وكالات الأنباء خبراً، أمس، يفيد بتعرض الفتاة م. ي. س. (18 عاماً) للخطف. كانت في الساعة الخامسة عصراً، بالقرب من تقاطع المشرفية المزدحم بالمارة والسيارات عادةً، وخصوصاً في هذا الوقت من النهار. قالت الفتاة للشرطة إن سيارة سوداء اقتربت منها، ولعل الصدفة أن لون السيارة كان شبيهاً بلون بالحكاية التي أخبرتها لرجال الأمن. هدّدها شخصان بسكين، كما روت، وأجبراها على ركوب المقعد الخلفي، ليفرّا بها إلى جهة لم تعرفها. أمضيا الليل معها، حيث ادّعت أنهم حاولوا الاعتداء عليها، وأنها قاومتهما. في اليوم التالي (أمس)، وفي العاشرة صباحاً، وجدت الفتاة نفسها في منطقة التيرو (الشويفات). لم تكترث بتفقّد حقيبتها في البداية، إلا أنها عندما فعلت ذلك اكتشفت أن الفاعلين سرقا منها مبلغ 35000 ليرة لبنانية فقط، وهو المبلغ الذي كان في حوزتها. حددت معالم الشخصين اللذين خطفاها، وبدأت التحريات لمعرفة الفاعلين، إلا أن الفتاة التي أوشكت على الانتهاء من مرحلة المراهقة، ربما لن تنسى السيارة السوداء لوقتٍ طويل، إذا كان ادّعاؤها صحيحاً. وكانت «الأخبار» قد نشرت في عدد أمس خبراً مماثلاً، أوردته تقارير أمنية، وجاء فيه اختطاف فتاة لساعات، وإعطاؤها قرصاً يسبّب الارتخاء في الأعصاب. بدورهم، الشبّان لهم حصتهم من الخطف، هذا ما أكدته تقارير أمنية، تحدثت عن اختطاف 4 أشخاص الشاب وائل ص. (18 عاماً) في منطقة تحويطة الغدير، شطبوه في كل أنحاء جسده، مدّعياً أنهم أرادوا سلبه. وقبل يومين من هذه الحادثة، كان الشاب بسام ع. (18 عاماً) قد «خُطف» بواسطة سيارة، بعدما اتهمه المشتبه فيهما الشقيقان أحمد س. ومحمد س. بسرقة دراجة نارية خاصتهما. تمت مطاردة السيارة من القوى الأمنية، وانتهى المطاف في أحد البساتين داخل بلدة البازورية، وألقي القبض على الفاعلين. وخلال الأسبوع الجاري أيضاً، أضفت بعض الحالات نوعاً من التراجيدية على طبيعة الحوادث. فقد نقلت تقارير أمنية، أنه أثناء خروج المواطنة خديجة د. (87 عاماً) من منزلها في الطريق الجديدة، استوقفها شخصان وطلبا منها الصعود معهما، بعدما أقنعاها بأنهما في وارد تأمين إعاشة لها، وأنهما سيقلانها إلى إحدى الجمعيات. تجاوبت السيدة المسنة، أملاً في الحصول على بعض من مساعدة. لا شك في أنها تسمع عن الانتخابات وما تأتي به من مساعدات، لكن المساعدة التي تلقتها كانت من نوع آخر. سلبها الشخصان ما تضع في عنقها ويديها من مصاغ ذهبية قديمة. كان اختطافاً سريعاً، كأغلب الحالات في الأيام القليلة المنصرمة، لكن اللافت هو تطور استعمال كلمة «خطف» بين المواطنين، التي كانت حكراً على «الخطف بغرض الزواج»، أو «الخطيفة» كما يسميها اللبنانيون.
في فيلم «تخيل الأرجنتين» (Imagining Argentina)، يسعى كارلوس للبحث عن عشرات المختفين قسراً، لأسباب تتعلق بالنظام السياسي هناك، في أميركا اللاتينية. يصور مخرج الفيلم الاختطاف والتعذيب مرادفين للموت. هنا في لبنان، بالتأكيد لم يصل الوضع الى ذلك الحد، في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. تقتصر الحالات على الجنائية منها بغرض السلب. لكن كما هو معروف، فإن لبنان صغير جداً، وربما تستطيع الشائعات الضخمة التي تنضوي تحت عنوان الخطف التهام إيمان مواطنيه باستتباب الأمن.


التمييز بين الخطف و«الاختفاء»

طمأن مسؤول أمني كبير المواطنين اللبنانيين الى أن الحالات المذكورة، لا تشكل خطراً حقيقياً بتحول الأمر الى ظاهرة. وأكد المسؤول لـ«الأخبار» أن ظواهر كهذه تعدّ دخيلة على المجتمع اللبناني، مذكّراً بأن الحالات الجدية معدودة على الأصابع، وقد نجحت القوى الأمنية في حل معظمها كحالة أمين الخنسا أخيراً (الصورة)، معتبراً أن المعدل العام التقريبي لوقوع عمليات «خطف» هو عملية كل عامين، وذلك خلال السنوات الخمس الأخيرة. وشدد المسؤول على التمييز بين ظاهرتي الاختفاء والخطف، وخصوصاً بعد إثبات التحقيقات في بعض الحوادث «أن المفقودين اختفوا طوعاً».