يدخل البعض منهم غرف التوليد "مدججين" بهواتفهم النقالة ليلتقطوا صوراً لولادة طفلهم. صرخته الأولى. حركته الأولى، وليكونوا إلى جانب زوجاتهم في أهم حدث في حياة الزوجين. البعض الآخر ينتظر خارجاً جانب نساء العائلة قلقاً متوتراً حتى خروج من يقول له "الحمدالله ع السلامة"، "هلق صرت أب ومسؤوليتك كبرت". يتلبس ما يحيكه له المجتمع من دور أبوي تعوّد على بعض نماذجها من أسرته والمحيط.
لا دروس تُعطى في الأبوة ولا جينات واضحة تترجم مفهومها وممارستها. يأتي الرجال الى الأبوة من حيث لا يَدرون (أو يدَرون) كإرث عائلي ومجتمعي يدفعهم الى الزواج لأسباب اقتصادية ودينية وتقليدية دون تحضير أو استعداد جدي. غالباً ما يرتبك الآباء الجدد في نسج علاقة مع المولود، وأحياناً لا يتفاعلون معه مطلقاً. تذهب فرحة وصول المولود ويحل مكانها الشعور بالتوتر والاكتئاب الذي لا يعرف الرجال كيف يعبرون عنه أو يتعاطون معه.
كثرٌ لا يعلمون أن الآباء الجدد يصابون أيضاً باكتئاب ما بعد الولادة. أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن حوالى عشرة بالمائة منهم يصابون به، الأمر الذي يدفعهم لضرب أطفالهم والصراخ بوجههم أغلب الأحيان. ولكن لماذا يعاني الآباء من هذه الحالة؟ دراسة رائدة من جامعة جنوب كاليفورنيا بيّنت وجود رابط بين اكتئاب الآباء وتدني مستوى هرمون الذكورة الجنسي (التستوستيرون). باحثون آخرون أضافوا هرمونات أخرى، وعوامل مرتبطة بقلة النوم والسترس وقابلية للتوتر الزائد.
هنا تحضر فرضية ضرورة هبوط التستوستيرون والذكورة الثائرة مقابل صعود الأبوة والسكون الزوجي. في واحدة من أكبر الدراسات من الفيليبين عن هرمون الذكورة والأبوة، تبين أن كلما زاد تقارب الآباء مع عائلاتهم وكلما أمضوا وقتاً أكثر مع أطفالهم كلما تدنى هرمون الذكورة مقارنة مع الرجال العازبين. توحي الدراسة بأن الرعاية الأبوية تؤدي الى انحدار هرمون الذكورة. يحدث ذلك أيضاً خلال مواكبة الزوج لفترة حمل الزوجة.
كلما تدنى التستوستيرون كلما تحسن "الأداء الأبوي" والرومانسي للرجل! يبدو ذلك ضرورياً من البُعد التطوري لصحة العائلة، حيث يدفع هبوط هرمون الذكورة الرجال الى الهدوء والمسايرة والبقاء أكثر الى جانب الزوجة والأطفال خلال المرحلة الانتقالية نحو الأبوة، كي يتقبلها الرجال ويتعودوا عليها. يدفعهم ذلك أيضاً الى تحمل أعباء الأسرة وتدبير أحوالها. لكن رقص التستوستيرون بين الصعود والهبوط يُعرض الآباء أيضاً لتقلبات في المزاج وعوارض اكتئاب.
لكن ما هو وضع الأمهات في أحوال أزواجهن المتقلبة؟ قد يعجب البعض لنتائج دراسة أشارت الى رضى الأمهات واكتفائهن عندما تكون هرمونات الرجل متدنية (وبالتالي قلة التوتر والنرفزة والصراخ) مقارنة مع ارتفاعها عند رجال آخرين.
من المطاردات والصيد والمغامرات الى سكون الزوجية وتربية الأولاد وإعالتهم، يتموضع الرجال في أحوال تستوجب تغييرات هرمونية وسلوكية وعاطفية وحياتية قد تصيب البعض بالاكتئاب والبعض الآخر بالقلق والهروب.
من الضرورة تقصي اكتئاب الآباء الجدد (والقدامى) ومعالجته خوفاً من أن يؤثر سلباً على الأطفال وتنشئتهم وعلى الزوجة وكامل الأسرة.
الأمهات يلدن والآباء يُضرسون أحياناً.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية