لم يبخل الفيلسوف أرسطو برأيه في موضوع إنجاب الذكور ناصحاً الرجال أن يمارسوا العلاقة الجنسية بشغف وحماسة لكي تحمل زوجاتهم بصبيان. شغل موضوع إنجاب الذكور كل الحضارات منذ عهد الإغريق حتى يومنا هذا، تم خلالها استعمال كل الطرق والوسائل والتعويذات والنذور دون نتيجة تذكر.من العائلات المالكة في أوروبا وآسيا الى أثرياء العالم، مروراً بلبنان، انشغل البلاط والحاشية بزيجات وشعوذات تكفل "ولي العهد" ورابط الدم، الوريث الشرعي للجاه والمال والسلطة. تم التخلي عن أفضل النساء لإنجابهن البنات فقط، ولم يشفع ما في دماغهنّ ما أعطت أرحامهن.

هل يأتي الرجال بالذكور أم هم مسؤولية النساء؟ من يحدد النسبة وكيف؟ من المعروف ان في منويات الرجل موروثة الذكر وموروثة الأنثى وليس في بويضات الأنثى غير موروثات الأنثى. لكن التحام الموروثات وما يحدده عند التلقيح أربك العلماء والناس وفتح باب البحث والتنظير والخرافات.
بعد أرسطو بمئات السنين، وتحديداً في القرن الثامن عشر، كتب أستاذ علم التشريح الفرنسي الدكتور كوتيو إن المنويات الذكورية تتواجد في خصية الرجل اليمنى والأنثوية في اليسرى، وعليه قام بممارسة استئصال الخصية اليسرى للرجال الراغبين بإنجاب الذكور. ليس هناك من سجلات تؤكد أن أنصاف المخصيين من الرجال كان لهم ما أرادوا من الذكور.
ذهب آخرون للبحث في توقيت المجامعة. في كتابه الشهير "كيف تحدد جنس المولود"، يؤكد الدكتور الأميركي شاتلز أهمية توقيت المجامعة. فإذا حصلت في فترة إباضة الزوجة، تزداد فُرص الحمل بصبي كون موروثة الذكر أسرع سباحة ولوقت قصير مقارنة مع موروثة الأنثى. عاكسته زميلته بنصيحة تدعو للمجامعة في فترة خمسة الى ستة ايام قبل الإباضة. لم يجد الزوجان في توقيت المجامعة سبيلاً الى الذكور.
لم يكن الحال أفضل عند من حاول الاعتماد على وضعية المجامعة، حيث نصح الباحثون الزوجة أن تستلقي على جنبها الأيسر ليتسنى للبويضات الذكورية التي تتواجد فقط في المبيض الأيمن أن تهبط لملاقاة منويات الزوج اللاهثة. عبثاً يتقلب الزوجان خلال علاقتهما الجنسية فلا ذكور إلا بما تكلفه احتمالات الطبيعة «فيفتي فيفتي».
لجأ الناس والعلماء الى الأكل وأنواع الغذاء كما في كل مسألة، معتبرين أن لغز ما يأكله الناس لا بد يحدد ما في أرحام النساء. انهالت النصائح على خيارات غذائية تغيّر حموضة المهبل، فكانت اللحوم الحمراء والسناك المالح ومشروبات الكولا الغازية طعام الزوجين الطامعين بصبي، والأسماك والخضار والألبان والأجبان لمن يرغب ببنت.
لم يثبت علمياً في نظام الغذاء وتحديد جنس المولود، إلا ما بينته دراسة حديثة من بريطانيا أشارت إلى أن النساء اللواتي حصّلن طاقة حرارية عالية (فوق الـ ٢٢٥٠ كالوري) خلال فترة الحمل كانت فرصة حملهن بذكر حوالى ٥٦٪‏ مقارنة مع ٤٤٪‏ من النساء اللواتي كنّ على حمية بسعرات حرارية تحت الـ ١٧٥٠ كالوري. نصحت الدراسة النساء بتناول الموز بطريقة يومية لتحسين حصولهن على السعرات الحرارية وحصولهن على الذكور.
حديثاً، ذهب العلم بعيداً في فهم الحمل والإخصاب وتمكّنت التقنيات المخبرية من فصل موروثات الذكر عن موروثات الأنثى في السائل المنوي عند الرجل، كذلك أصبحت تلك التقنيات قادرة على تحديد جنس الأجنة الذكر منها والأنثى ونقل أي منها الى رحم المرأة بحسب ما يرغب به الزوجان.
لكن المسألة ليست بهذه السهولة، ولم تسمح الجمعيات الناظمة في أغلب بلدان العالم للزوجين بالحصول على خدمات تلك التقنية والنزول عند رغبة الناس في تكديس الذكور، بينما ترتكب بحق الأجنة الإناث عمليات قتل جماعية في الهند وفي الصين (نتيجة سياسة الطفل الواحد). فقط في حالات الأمراض الوراثية المميتة أو المعوقة، يمكن للزوجين اختيار جنس المولود تفادياً لأعباء أخلاقية وصحية خطيرة، وأيضاً ضمن ضوابط شديدة.
يصر الناس على تفضيل الذكور ويستبيحون العلم والهرطقة لذلك مع إدراكهم الواضح أن حياتهم لا تستقيم إلا بما تقدمه الطبيعة باحتمالاتها المتنوعة. لا الذكور تطيل بالإعمار وتزيد من الثروات ولا النساء تذهب بالسنوات والسُلطة، بل بما يمتلك كل منهما من قيمة ومعنى للإنسانية وللحياة.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية